روي عن أبي ذر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يصلون ويصومون ويحجون! قال: «وأنتم تصلون وتصومون وتحجون». قلت: يتصدقون ولا نتصدق؟ قال: «وأنت فيك صدقة، رفعك العظم عن الطريق صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانك عن الأرثم (الذي لا يبين الكلام) صدقة، ومباضعتك امرأتك صدقة». قال: قلت: يا رسول الله نأتي شهوتنا ونؤجر؟ قال: «أرأيت لو جعلته في حرام أكان تأثم» قال: قلت: نعم. قال: «فتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير» رواه أحمد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً (في مسجد المدينة)».
احرص أشد الحرص على أن تركب مركب «المعروف» وتسدي الخير في كل مناحي الحياة، وتتبصر بمعاني المعروف الشاملة بفعل الخير في كل حيز من حياتنا.. فالبعض يعتقد أن الخير والأجر إنما هو محصور في «ميدان الأغنياء» في الوقت الذي لا يلتفت فيه إلى «روعة البيان» و»إشراقات العمل» في كل حركاته وسكناته.. فابتسامتك صدقة، وإدخال السرور على مسلم صدقة، ومشيك في حاجة أخيك في الله صدقة، وقضاء حاجات الآخرين ومساعدتهم صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وإماطتك للأذى من طريق المسلمين صدقة، وسقيك للماء من أفضل الصدقات، وغرسك للغرس صدقة، وكفك للشر عن الآخرين صدقة، وإغاثة الملهوفين والمنكوبين والمحتاجين صدقة، ونقاوة قلبك وتسامحك وتغاضيك عن الزلات صدقة، وهديتك لمن تحب سرور تدخله على قلبه وتعمق محبته لك، وإكرامك للآخرين من صنائع الخير وحبك للخير لكل الناس صدقة.. فكل حياتك صدقة ومعروف تصنعه من أجل أن يقيك المولى «مصارع السوء»، ويحفظك من كل شر وبلية.. كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك» رواه الترمذي.
إن ميدان المعروف ميدان فسيح به من النعم السابغة التي تجعلنا نهجر «مضيعات الوقت».. فلنصنع معروفاً في كل بقعة تطأها أقدامنا.. نكسب رضا الرحمن، ونفوز بالجنان.. اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.