يقول وزير الخارجية الأمريكية جون كيري: «إن برنامج إيران النووي سلمي ويمكن لنا جميعاً أن نرى ذلك.. العالم كله يرى ذلك.. العلاقة مع إيران يمكن أن تتغير بشكل كبير للأفضل، ويمكن أن تتغير بسرعة».
هل بعد هذا التصريح مازالت تفكر دول الخليج بالتقارب مع إيران وأمريكا والاتحاد الأوروبي، أو أنها على أمل قد ترضى عنها أمريكا أو تكون لها علاقة طيبة مع إيران؟ هذا الإعلان يعني أنه قد بدأ التنفيذ؛ تنفيذ الشرق الأوسط الجديد الذي لن تستطيع أمريكا تنفيذه دون إيران، فهي الحليف الحقيقي، أما دول الخليج العربي لا يتعدى التحالف بينها وبين الولايات المتحدة حبراً على الورق. وها هي خارطة تقسيم الدول العربية والمملكة السعودية -تحديداً- ليست سراً ولا في طي الكتمان؛ بل أصبحت خريطة قد تعلق خلال سنوات قليلة على جدران المدارس وستتضمنها المناهج الدراسية، وذلك عندما تتساهل دول الخليج بنوايا التقسيم التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وتتباطأ في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تحدد علاقتها مع الدول التي مازالت تنظر إليها بأنها دول صديقة وحليفة؛ فتحلم وتتصور بالتقارب مرة مع إيران ومرة مع أمريكا وبريطانيا.
الدول الخليجية تنضوي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، لكن للأسف لكل دولة استراتيجية لا تتلاقى إلا في الحروب، أو في الظروف السياسية الخطيرة مثل المؤامرة الانقلابية التي حدثت في البحرين، وبعدها تعـــود كل دولة إلى ما كانت عليه، مكتفيـــة بالشجــــب والإدانــــة، واجتماعـــات دوريــة وشهرية، لم تتمخض حتى اليوم بقرار حاسم يحدد موقف الدول الخليجية أمام المجتمع الدولـــي، الذي لاشك أنه بــدأ خطة تنفيـــذ الشـــرق الأوسط الجديد، وهذه بوادره قـــد بانت وظهرت، من تبديل الفيفا لاسم الخليج العربي إلى الخليج الفارسي، واتفاق أمريكا مع إيران ضد البحرين، متجاهلين مكانة المملكة العربية السعودية وهي مركز الشرق الأوسط، ومركز الوطن العربي ورأس الخليج، وهذا كله بسبب عدم حزم دول الخليج وتذبذب قراراتها وضبابية مواقفها في القضايا الخطيرة، وأهمها قضية الإرهاب الصفوي في البحرين والمدعوم من أمريكا وإيران، حيث مازالت هذه الدول تطلب الود والتقارب رغم إعلان أمريكا وإيران موقفهما تجاه البحرين، وهو موقف خطير لا يهدد البحرين بل يهدد المملكة العربية السعودية ومعها باقي دول الخليج العربي التي يظن بعضها بأنها ستكون بعيدة عن هذا الخطر، وفي الحقيقة أن الخطر قد يطولها قبل البحرين.
إن دول الخليج متفرقة لا تساوي شيئاً في حسابات أمريكا وإيران، حيث إن أمريكـــا تعرف المقدرات العسكرية لكل دولة على حدة، فهي تستطيع شل هذه المقدرات بما تملكه من آلة عسكرية ليس في أمريكا بل متمركزة في بحر الخليج، فها هي أساطيلها وطياراتها، وها هي قواعدها وجيوشها، ونضيف إلى ذلك استعدادات إيران والعراق وحزب الله وسوريا، فكلها توحدت واتفقت على تقسيم دول الخليج العربي، ونشرت خريطة هذا التقسيم الذي اطلعت عليه دول الخليج، ثم عادت كعادتها بين اجتماعات دورية وشهرية دون ناتج ولا فارق ولا تقدم منذ بدء تأسيس مجلس التعاون الخليجي حتى هذه الساعة.
وهــا هــي دول الخليــج تشاهــد كيف اتحدت الدول الأوروبية، وكيف أن هذا الاتحاد يتوافق ويتناسق مع أمريكا، واليوم يتفق الاتحاد الأوروبي وأمريكا مع إيران، وهي الدولة التي فرض عليها قبل ذلك حصار اقتصادي ونزاع بشأن ملفها النووي، إلا أن تلاقي المصالح جمعهم في خندق واحد مقابل دول خليجية مشغولة ببرامج رياضية وسياسات لا ترتكز على استراتيجية، في الوقت الذي أمريكا وإيران هما كل شيء فلا يهمهما برامج ولا استعراضات ولا أولمبيات ولا اتحادات كروية، بل تفرغا كيف يديران الحرب القادمة بأقل الخسائر، وذلك حين حركت إيران خلاياها النائمة اليوم في البحرين، وها هي تتحرك في السعودية والكويت، وبعدها ستتحرك في الإمارات وقطر وعمان، وهي تحركات محسوبة، حيث إنه لا يمكن أن تتحرك الخلايا النائمة في هذه الدول مرة واحدة لإعطاء بعض من هذه الدول الأمان إلى أن يحين دورها، هذه الخلايا اليوم التي تدعمها أمريكا وإيران والاتحاد الأوروبي يدعمونها مادياً وإعلامياً وسياسياً، بالمقابل دول الخليج مازالت تدور حول نفسها وتعود من حيث بدأت، دون قرار ولا تقرير ولا تحديد مصير.
مع الأسف نحن أمة الإسلام التي وجهها الله سبحانه وتعالى لكيفية مواجهة أعدائها وكيف تأخذ الحيطة منهم حتى في السلم، إلا أن هذا التوجيه الإلهي لم تعتمده السياسة العسكرية الخليجية، التي كانت يجب أن تكون المبدأ الذي أسس عليه مجلس التعاون الخليجي (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)، فالاتحاد الخليجي ليس توحيد عملة ولا جوازات ولا جسور ولا سكك حديدية، إنما اتحاد القوة العسكرية في مواجهة العدو الذي كشف عن وجهه اليوم وأعلن عن برنامجه الحربي، وما التوافق الأمريكي الإيراني وإعلان كيري أن برنامج إيران النووي سلمي ويمكن للجميع مشاهدته، إلا دق لطبول الحرب، الذي إن تجاهلت دقاته دول الخليج، سوف تتعلق خريطة الشرق الأوسط الجديد ليس بعد سنوات، إنما قد يكون في 2014، فالخلايا النائمة تحركت، والحرس الثوري على حدود الكويت والسعودية على أتم الاستعداد، وسيكون بغتة لا تترك حتى ساعة يمكن أن تتشاور فيها دول الخليج لكي تحدد موعد انعقاد قمتها أو اجتماع طارئ، لأن الجسور قد قصفت والمطارات قد عطلت والمليشيات سيطرت على المؤسسات الحيوية في الدول الخليجية من كهرباء ومستشفيــات واتصــالات.