في مجتمعنا ممنوعات كثيرة بحكم المبادئ والعادات والتقاليد والأحكام الدينية، أما في عالم السياسة فلا يوجد شيء ممنوع؛ بل ينطبق عليه مقولة «كل ممنوع مرغوب» إن لم يكن مفعولاً. فالمصلحة هي سنة السياسة وهذا ما يمثل صدمة عنيفة للمواطن البسيط عندما ينخدع في رجال الدين وهم داخل دائرة السياسة، وأعتقد أن الشعوب العربية بصفة عامة تلقت كماً هائلاً من الصدمات بعد الربيع العربي. كل تلك الصدمات في «الربيع»؛ فما بالكم عندما تأتي العواصف ورياح الخماسين، دعونا نتوقع أرصاد العواصف السياسية القادمة، أو بمعنى أدق، دعونا نتأمل شكل الصدمات القادمة بقراءة التاريخ بعمق.
فمن بعض أبرز علامات التعجب والذهول التي أراها في عيون المواطنين كانت تخص العشق الممنوع.
ما سر العلاقة بين جماعة الإخوان «الأصولية السنية» ونظام الخميني «الأصولية الشيعية»؟!
إن علاقة نظام الخميني في إيران وجماعة الإخوان ليست وليدة ثورات الربيع العربي، إنما هي علاقة تاريخية قديمة ما بين الإخوان والشيعة بصفة عامة والإخوان ونظام الخميني بصفة خاصة. فبعد مقتل مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا كان من أبرز المرشحين لقيادة الجماعة هو آية الله الكاشاني.
وفي عام 1954 كان نور صفوي في ضيافة جماعة الإخوان بالقاهرة، ونظموا له ندوة بجامعة القاهرة، كما إن جماعة الإخوان كانت على صلة وثيقة بحركة فدائيي الإسلام الإيرانية.
قبل الثورة الإيرانية التقى وفد من جماعة الإخوان من أكثر من دولة عربية بالخميني في باريس بعد التنسيق مع أبوالحسن بن الصدر «أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية»، وكان راشد الغنوشي أحد ممثلي وفد إخوان تونس، وكان يوسف ندا مفوض العلاقات السياسية الدولية لجماعة الإخوان أبرز أعضاء الوفد الإخواني المصري خاصة، وكان حلقة الوصل الحقيقية بين إيران والإخوان، وتم ذلك مع ضابط مخابرات إيراني أرسلته طهران إلى لوجانو بسويسرا، حيث يقيم يوسف ندا، وكانت علاقة آيات الله قوية جداً مع أعضاء الجماعة المقيمين في أوروبا وأمريكا، فلم تقتصر العلاقة بالخميني فقط فكان هناك اتصال دائم مع «هشتي» المقيم في هامبورج بألمانيا و«خسرو شاهي» الذي أصبح في ما بعد سفير إيران بالقاهرة، و«إبراهيم يازدي» المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم.
ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 والإطاحة بحكم الشاه؛ ظهر في طهران صاحب الصوت المعروف الذي كانت ترسل شرائط كاسيت بصوته من باريس إلى طهران لإدارة الثورة في ذلك الوقت، وعندما نزل الخميني من الطائرة سأله أحد الصحافيين: «ما هدف ثورتكم؟».
فقال الخميني: «لقد حكم هذه المنطقة الأتراك لعدة قرون والأكراد لعدة قرون والعرب لعدة قرون، وآن للفرس أن يحكموها لقرون طويلة».
كانت فرحة الإخوان كبيرة جداً بنجاح أول ثورة إسلامية في المنطقة، حتى رفعت جمعيات الإخوان بالولايات المتحدة الأمريكية صوراً للخميني. وسافر وفد من جماعة الإخوان إلى طهران لتهنئة الخميني بالثورة.
كل تلك الأحداث كانت رسائل مزعجة جداً للعرب ولمصر خصوصاً، فجاء الترحيب بالشاه محمد رضا بهلوي في القاهرة لمساندته لمصر وقت الحرب مع إسرائيل ورداً على أحلام الخميني. وكان ذلك بداية العداء الصريح بين النظام الحاكم في إيران والنظام الحاكم في مصر، وما تلاه من قطع العلاقات الدبلوماسية. ثم جاءت الفرحة العارمة لنظام الخميني وللإخوان أيضاً بمقتل أنور السادات عام 1981، فلم تتأخر إيران ثانية واحدة في إطلاق اسم خالد الإسلامبولي «قاتل السادات» على أكبر شوارع طهران والاحتفاء به في الشوارع عبر تعليق صور ضخمة له. وظنت إيران في ذلك الوقت أن الطريق أصبح سهلاً جداً وأن العراق ستكون أول ولائم المائدة العربية، لكن صمد أسود الرافدين بكل قوة مدعومة بالعرب وعلى رأسهم مصر، فكانت الخطط والتكتيكات العسكرية بحقائب المستشارين العسكريين تسبق السلاح إلى العراق، وهو ما أدى إلى تفوق ملحوظ للقوات العراقية وأجبر الخميني على وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1988، وهو الأمر الذي جعل المقربين منه ينكلون به، حتى قالوا إن الخميني تجرع كأس السم. ومثلما عاد ذلك بالحزن على إيران كذلك عاد على الإخوان الذين تعرضوا لحملة من الاعتقالات في مصر ومراقبة تحركاتهم.
وفي عام 1971 احتلت البحرية الإيرانية الجزر الإماراتية؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وهو ما قوبل باستياء شديد من مصر مدعمة للموقف الإماراتي أمنياً. ثم جاء تصريح علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، بأن دولة البحرين هي المحافظة رقم 14 لإيران، فجاء الرد بعدها بساعات معدودة من الرئيس المصري السابق بالسفر إلى البحرين والتضامن مع الدولة العربية الشقيقة.
وفي السنوات العشر الأخيرة؛ أصبحت زيارات أغلب أعضاء مكتب الإرشاد لطهران أكثر من زيارتهم لمنازلهم، حتى رأينا أحد اللقاءات على التلفزيون الإيراني بعد الثورة المصرية كمال الهلباوي وهو جالس بجوار خامئني ويمتدح الخميني والنظام الإيراني في تواضعه واحترامه لأهل السنة وحقوق الإنسان، وأن حسن البنا وسيد قطب يستكملان مشوار الخميني.
ثم انتقلت حلبة الصراع بين القاهرة وطهران من الخليج العربي إلى البحر المتوسط بدعم إيران لحزب الله اللبناني وحركة حماس، وهنا تبلور كل من الصراع المصري الإيراني والعشق الإخواني الإيراني. وانتقل الاحتكاك المباشر بين إيران ودول الخليج إلى احتكاك غير مباشر مع مصر عبر حماس.
إلى أن جاءت لحظة الانقلاب على الدولة المصرية يوم 28 يناير 2011 «يوم جمعة الغضب»، حيث تم إحراق أقسام الشرطة المصرية في وقت واحد وبشكل واحد، وتم فتح جميع المعتقلات التي بها أعضاء من جماعة الإخوان وحماس وحزب الله.
لذلك كان الدعم الإيراني حاضراً لمرشح جماعة الإخوان بقوة، واضعة في الحسابات بديلاً آخر مقرباً لها كي تدعمه في حالة خسارة مرشح جماعة الإخوان، فكانت الأولوية لفريق آيات الله وملالي إيران كسر شوكة فريق المؤسسة العسكرية المصرية، والذي ظل في سدة الحكم لسنوات طويلة، كان فيها حائط سد بكل ما تحمل الكلمة من معنى لأطماع إيران في الخليج العربي، وربما المنطقة العربية كلها، ولا ننسى حادثة المغرب وطرد السفير الإيراني من هناك.
حتى باتت أغلب الزيارات الرسمية للمعزول محمد مرسي أو الزيارات السرية لمساعده عصام الحداد كلها تجاه إيران. لتبدأ إيران مباراة جديدة مع مصر ومباراة قديمة جديدة لعناصر حرسها الثوري في الخليج العربي، وتذكرون تصريح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عصام العريان «عندما توعد الإماراتيين بأن يكونـــوا عبيداً عند الفرس» كما صرح، ولكــن لن يكون خليجنا العربي لقمة سائغة، فبعد 30 يونيو انتفضت مصر من جديد وظهر من يقود خير أجناد الأرض، والذي يرى في جميع العــرب أشقـــــــاء وإخــــــوة، وأرض الكنانــــــة لهــــم قبلـــة.