قال الله تعالى: «فاستبقوا الخيرات». وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». وقال عليه السلام: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وقال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب مؤمن، وأن يفرج عنه غماً، أو يقضي عند ديناً، أو يطعمه من جوع». وورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتعاهد بعض الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهاراً فإذا عجوزاً عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع؟! وكان أبوبكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبوبكر: «بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله». ولله در القائل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
جميل جداً أن تكون كالشامة بين الناس بأفعالك وأقوالك وحرصك على عمل الخير، جميل جداً أن تكون مبادراً في الخيرات، تسعى لعمل الخير في كل مكان تسير إليه، إنها الحديقة الجميلة الرائعة التي تزرع فيها كل ألوان الخير، وكل أزهار الأجر الذي يتنامى عند الملك الديان في صحائف أعمالك في يوم لا ينفعك فيه إلا عملك الصالح، وأفعال الخير التي كنت تحرص على القيام بها في الدنيا، هكذا هو الإنسان همه الدائم أن تكون بينه وبين الله تعالى خبيئة لا يعلمها إلا الله، يذكرها كلما تداعت عليه خطوب الدهر.
لذا لا تنس أبداً أن تصنع لنفسك معروفاً قبل الآخرين، لا يغيب عن ناظريك أن تؤسس لخير تذكرك به الأجيال، وصدقة جارية تنفعك في قبرك بعد مماتك، فماذا تنتظر؟ أتنتظر أن يشيد لك فلان أوغيره أي مشروعات خيرية أو صدقة جارية بعد رحيلك من الدنيا؟ اكتبها على ورقة وضعها في جيبك.. «سأبني مسجداً لله.. سأحفر بئراً في بلاد فقيرة.. سأبني مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم»، الأفكار كثيرة، فقط اعزم أن تكون أنت «موضع الخير» لنفسك، فأنفاس الدنيا معدودة.
اسع في الخير ونوع طرقه حتى لا تمر عليك لحظة إلا وأنت منشغل فيه، وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد في العمر وتقي الفقر». ولتكن كلمات السيدة خديجة رضي الله عنها ومواساتها للنبي صلى الله عليه وسلم نبراساً لك في طريق الخير، حينما قالت له: «أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
فلا تتردد أو تتثاقل بأن تؤدي أي عمل أو تبذل مالك في عمل الخير تقي نفسك من خلاله من مصارع السوء التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لتطفىء غضب الرب، وتدفع ميتة السوء». واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من «البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام».
احرص على أن تساعد أكبر عدد من المحتاجين والمعوزين، حتى تحظى بكفوف ترتفع إلى السماء تدعو لك ليلاً ونهاراً بفعل خير فعلته، تزرع فيهم الأمل والابتسامة، وتحقق لهم الآمال الكبار التي لطالما حلموا بها في دنياهم، اكفل يتيماً، اتفق مع بائع اللحم ليعطي فقيرا كل أسبوع قطعة لحم لا يجد المال الكافي لشرائها، «وجبة الأسبوع» لعامل على الطريق، تتكفل بعمرة لعامل أو فقير لم تسنح له الفرصة بزيارة بيت الله الحرام.
كن دائماً في حاجة إخوانك في الله تعالى، فهم بلسم حياتك، وعنوان الوفاء، ودعاة الخير يسيرون معك لتحقيق الأمنيات، يقول الداراني: «إني لأضع اللقمة في فم أخي فأجد طعمها في فمي». وروي أن ابن عباس رضي الله عنه كان معتكفا في المسجد النبوي، فجاءه رجل يستعين به على حاجة له فخرج معه، فقالوا له: كيف تخرج من المعتكف؟ فقال: لأن أخرج في حاجة أخي خيراً لي من أن أعتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً.
ازرع بذور الخير في دوحة حياتك، ولتكن نفسك سخية، تحب أن تكون في ديمومة من الخير، حتى تسعد في ساعة الرحيل، وتشفع لك في ساعة الحساب، نسأل الله لنا ولكم التوفيق في عمل الخير.