«تظاهرات للإفراج عن جثمان الشهيد» و«الشهيد شاهد على الاستبداد لأكثر من 18 يوماً» و«تظاهرات غاضبة تعم مناطق البحرين استنكاراً لتكبيل جسد الشهيد منذ 21 يوماً» .. هذه هي إعلانات تجارة جثث موتى الوفاق. تجارة تبرأت منها الديانات السماوية والأرضية، فهي حالة نادرة وشاذة عن السلوك البشري، فلم يسبق لأمة من الأمم ولا حضارة من الحضارات بابلية ولا أغريقية ولا حتى قبل الجاهلية أن تاجرت بموت أبنائها مهما كانت أسباب وفاتهم أو كانت غاياتهم، لأن البشرية جمعاء منذ ما قبل التاريخ تحترم جثث موتاها، وحتى غير موتاها، تلك البشرية الآدمية التي كانت لها حضارات وإمارات، وها هي المقابر والمتاحف تروي قصص أقوام لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وكيف كانوا يحترمون موتاهم فيصنعون لهم التوابيت من أفضل الأخشاب، ومنهم من يبني لهم غرفاً ويضعهم على أسرة وسائد، ويلبسهم أحسن القلائد والحلل ويحنطهم ويعطرهم.
أما ونحن أمة الإسلام التي جعلت للإنسان حرمة منذ ساعته الأولى حتى ساعة موته وحتى بعد موته من غسل وطهارة وتعجيل في دفنه ومن ثم الصلاة عليه والدعاء له بتثبيته عند السؤال، لكن هناك من تجردوا من الإنسانية ولم يراعوا حرمة ميت ولا شعور أهل الميت، حيث منعتهم الوفاق من استلام جثة ابنهم بحجة أن شهادة الوفاة لم تكن مقيداً فيها أنه مات بمقذوف ناري، حسب رواية الوفاق، ولا ندري ما هو المقذوف الناري الذي يقصدونه، هل هي طلقات رشاش والتي يستحيل أن يعيش منها إنسان لحظة واحدة بعد إصابته بطلقة منها في رأسه، أو حتى طلقة مسدس عادي، خاصة عندما يبدو على الصور التي تم نشرها أن رأس المتوفى سليم معافى.
لكن لا نستغرب من الوفاق امتهان كرامة الأموات، وهي التي استهانت بأرواح الأحياء الذين قتلوا على يد ميلشياتها، هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين لم يطف بهم أهلهم الشوارع ولا المناطق؛ بل أخذوهم بكل هدوء ووضعوهم في قبورهم وقلوبهم تقطر دماً وألماً على أبنائهم، ولكن أخفوا مشاعرهم محتسبين، ثم بعدها يعود المشيعون كل منهم في حال سبيله، وهنا الفرق بين من تنتهك حرمة الموتى كما ينتهك حرمة النفس التي حرم الله قتلها، وبين من يتقبل خبر موت أبنائه مهما كانت الأسباب بنفس راضية بقضاء الله وقدره.
هنا لا بد أن نقارن بين تجارة الوفاق في جثث موتاها وبين تجارة الجثث في الصين، لأن كليهما «تجارة»، ولكنها مختلفة خاصة عندما تكون تجارة الموتى من أجل تحقيق مصالح سياسية يستفيد منها حزب كي يستولى على السلطة والجاه، وبين تجارة قصدها تقديم الجثث لأهلها نظير مقابل مادي بعد عناء صيدها في ظروف صعبة.
حيث قال «تشو» لصحيفة «غلوبال تايمز»، وهو المخرج الصيني الذي تناول هذه الظاهرة في فيلم سينمائي «إن هذا العمل كان تطوعياً في السنوات الماضية، إذ كانت إعادة الجثث إلى أهلها عملاً خيرياً قبل أن تتغير إلى عمل تجاري مربح»، حيث أصبح «صيد الجثث» هي تجارة جديدة وغريبة تنتشر سريعاً على ضفاف النهر الأصفر في الصين، حيث يهرع الصيادون إليه ليتمكنوا من سحب جثث الموتى الذين سقطوا في النهر لأسباب مختلفة وأغلبها الانتحار، حيث يقوم الصيادون بصيد الجثث الميتة وبيعها لأهالي الضحايا حسب الحالة المادية لأهل الميت، وهنا يأتي الفرق بين تجار الجثث في الصين وتجارة الجثث عند الوفاق بعدما أصبح مجرد إعلان وفاة لميت بالنسبة للوفاق مناسباً ليضموه إلى قوائم «الشهداء».
نعم؛ أصبحت تجارة الجثث مربحة بالنسبة للوفاق لأنها تريد أن ترفع عدد ضحاياها إلى ألف، وهذا سببه صمت الدولة وعدم محاسبتها للوفاق التي تأتي بروايات وتروج لشائعات ثم تنشرها وتضمنها تقاريرها، هذه التقارير التي تستند عليها أمريكا، حين لا يكون لهذه التقارير جهة تخرج لتكذب هذه الروايات وتفندها بالشهود والأدلة في الوقت نفسه ثم ترسلها إلى تلك الجهات.. نعم فقد تركت الدولة الساحة خالية تلمع فيها عناوين الوفاق، الوفاق ذاتها التي لاتزال حتى هذه اللحظة تنعت الدولة بالظالمة.
نعود إلى تجارة الجثث في الصين، ومن تجارة الجثث التي يتم تعطيل دفنها من أجل التربح السياسي، وذلك حين يكون ارتفاع أعداد موتاها مقابله يكون كرسياً متقدماً في السلطة، أو تكون على رأس السلطة، إذاً تجارة الوفاق غلبت تجارة جثث غرقى النهر الأصفر الذي لا يتجاوز الربح مقابل استخراج الجثة بـ 100 دولار.