ها قد بدأ التسابق على الأسواق الكبـــرى، خصوصاً محلات التموين، لشراء الحاجيات الغذائية الموسمية لشهر رمضان المبارك وسط العروض المغرية وكوبونات السحوبات، وفي ساحات المساجد نصبت خيام مصليات النساء والإفطار الجماعي، تلك صور لمشاهد سنوية تعلن دخول الشهر الفضيل، فستعلو المآذن بأجمل التلاوات في التراويح بأصوات القراء الشباب الذين انتشرت جداول إمامتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وجوامع تميزت باستضافة مقرئين من خارج البلاد، وهذه صورة أخرى من روحانية هذا الشهر العظيم بعظم العبادات من صيام وقيام وزكوات وصدقات.
وفي ساحات أخرى يضع أبناء البحرين أطفالاً وكباراً بصماتهم الخيرة في أرجاء الوطن الكبير بإسهاماتهم وأعمالهم الإغاثية من علاج وإطعام وكسوة لكل فقير ولاجئ ومشرد بسبب حرب أو اضطهاد أو مجاعة مرت على وطنه الأم، فحملة «الجسد الواحد» التي تحمل في اسمها أجمل سمة في التراحم والتواد ذكرها خير البشر عن أمته صلى الله عليه وسلم حين قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، لقد جسدت هذه الحملة بمشاريعها التنموية والإغاثية للسوريين في الداخل والخارج الذي عانوا الأمرين من نيران النظام الإجرامي وتشرد في العراء دون طعام ولا كساء ولا غطاء، فبين أسوار مخيم «أمهات المؤمنين» الذي شيده أهل الخير من البحرين والخليج بأموالهم وسخائهم في نصرة إخوانهم في الدين والعقيدة يرقد أطفال أيتام وأمهات أرامل فقدوا المعيل، فكان المخيم لهم الملاذ الذي يأويهم ويطعمهم ويقيهم حرارة الصيف وبرد الشتاء القارس.
فمن منا تمعن في فاتورة حاجيات رمضان التي قد تصل تكلفتها إلى مئات الدنانير وقارنها بنداء الطفل «رامي» الذي انتشرت صورته في إعلانات ملأت شوارع البحرين.
وكذلك من خلال أدوات التواصل الاجتماعي، حينما وجه نداءه لقلوب أهل الخير فقال «أنا رامي ماذا سيكون إفطاري؟» ليكون هذا النداء عنواناً لمشروع السلة الرمضانية لحملة «الجسد الواحد»، فمبلغ 20 ديناراً يسد جوع عائلة بأكملها في سوريا لمدة شهر بأكمله، وهذا المبلغ الزهيد لدى البعض منا يدفعه لصانع حلوى أو لبائع لعبة أو في وجبه طعام واحدة بأحد المطاعم السريعة.
وعلينا أن نتدبر حديث النبي صلى الله عليه وسلم «من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا»، فهذا أجر صائم واحد فكيف سيكون الأجر حين تكفل أسرة بأكملها؟!
في الحقيقة نحن من نحتاج لمثل هذه المشاريع التي نتاجر بها مع الله تعالى ونشتري بها جنة عرضها السموات والأرض حينما نساهم في رسم بسمة على محيا طفل فقد أباه أو امرأة فقدت زوجها، ونمسح دمعة جائع عصفت بها نوائب الدهر.
ومن هنا علينا أن نحمد الله سبحانه على ما نحن به من نعمه الكثيرة ولندفع عنا البلاء امتثالاً لحديث الرسول الكريم «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»، ولنشمر على سواعدنا من اليوم بكل ما نستطيع من مال وقلم وجهد بالمساهمة في مشاريع حملة «الجسد الواحد» التي أخذت على عاتقها إيصال مساعدات أهل الخير لتجسد معنى الأخوة والترابط بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونقلت لنا بالصوت والصورة معاناة أهل سوريا، وشكرهم أهل البحرين والخليج مراراً وتكراراً على ما قدموه من مشاريع خيرية ساهمت في تضميد جراحهم وسد جوعهم وكسوتهم.
- همسة..
من أجمل الصور حينما نرى طفلاً يحمل حصالته وعروساً تقدم ذهب زواجها نصرة وإغاثة لأهالي سوريا، فهذا هو شعب البحرين المعروف بكرمه وحبه للخير.
وهذا سبب بعد فضل الله في دفع الشر إبان الأزمة التي مرت بها البلاد في فبراير 2011، فهل سنتأخر عن فعل الخير في شهر الخير؟!