سباق محموم واضح على دخول معترك الانتخابات النيابية، في ظل تزايد أسماء المترشحين يوماً بعد يوم، ووسط هذه المعمعة يقف المواطن متفرجاً، يقف بين خيار التصويت وعدمه، وبين البحث عمن يشفي «غليله» من المترشحين.
الغالبية يرون أن المشاركة واجب وطني ومن أجل البحرين ومن أجل التصدي لمن يريد ضرب هذا الوطن في تجربته الديمقراطية ويسعى للتقليل منها، وهناك من يرى أنه سيكوي نفسه بالنار إن وصل للبرلمان من هو عاجز عن تلبية همومه، ويبني ذلك على التجارب السابقة التي يقيمها الغالبية بأنها لم تفد المواطن بشيء.
يقول لي أحد الأصدقاء مازحاً: سأدخل الانتخابات القادمة!
سألته: الأهم هنا ما المسوغ الذي يجعلك تدخل؟! وأرجوك قل لي إنه لأجل خدمة الناس وإيصال مطالبهم وحل همومهم.
أجابني وبلا تردد: دائرتي الانتخابية مازالت خالية، وسأنتظر قرب موعد غلق الباب وسأعلن الترشح إن وجدت حظوظي بين بينين، أي احتمالية فوزي ووصولي للبرلمان.
أعيد السؤال: لكنك لم تجبني ما المسوغ الذي يدفعك للترشح؟!
رد: يا فيصل صل على النبي، غلطان الذي سيقول لك سأدخل لخدمة الناس، وحتى لو أراد ذلك، هناك كثيرون ممن سيصلون، آخر ما يفكرون فيه الناس، وبصراحة بصراحة وبالبحريني من «يعاف» راتباً يصل لأكثر من أربعة آلاف وتقاعد وسيارة فارهة وبدلات وسفرات ومزايا؟!
سألته: إذاً أنت ستدخل كما نقول بالبحريني «على طمع» وليس من أجل الناس؟!
رد علي: أقولها سأجيبك بشجاعة «نعم»، لكن طبعاً لن أصارح الناس بذلك لأنني أريد أصواتهم.
هذه محادثة حقيقية ولست أبالغ فيها، قالها الشخص لمعرفتي الشخصية به وكان صريحاً وواضحاً، نظرته للبرلمان وكأنه ينظر لدجاجة تبيض ذهباً، والاهتمام بالناس شيء يستخدم فقط في الشعارات ولأجل دغدغة المشاعر.
الآن الناس يرون أمامهم «بوفيه» كبيراً من الشعارات الانتخابية الرنانة، وكل مترشح «رافع سيفه» يعدهم برفع الرواتب وإسقاط القروض ومحاربة الفساد وتحقيق أحلامهم وتحويل مؤشر السعادة لديهم ليضرب سقفه الأقصى، وبل بعضهم يحلف بأنه سيجعل المواطن سيضحك لحدد الهسترة والجنون من فرط «الرفاهية» التي سيعيشها، وكأن حاله حال سعد في درب الزلق حينما يقول لشقيقه حسين وهو يرمي عليه رمز المال «بسنا فلوس يا حسين».
الناس هم الأساس في العملية، لا تجعلوا أي مترشح يسوق عليكم أي كلام، لا تجلسوا في الندوات والاجتماعات وفي الخيام تستمعون فقط وتقبلون بأي شيء يقال، لا تمنحوا أي مترشح وقتاً سهلاً حينما يريد التحدث عن برنامجه الانتخابي، اسألوا وناقشوا وأعطوهم وقتاً صعباً، ولا أقول هنا شككوا في النوايا فبعضهم صادق في نيته، لكن الأهم أن تسألوا عن الآليات وترسموا السيناريوهات، فإن قال أحدهم إنه سيسعى لرفع الرواتب اسألوه كيف؟! إن قال إنه سيحارب الفساد، اسألوه ما الطريقة؟! وإن قال سيحل مشكلة الإسكان، اسألوه متى وما هي الآلية؟!
لابد من مناقشة كل صغيرة وكبيرة، ومن يمنحكم الوعود ويريدكم أن تصدقوا عليكم أن تأخذوا عليه عهداً وحتى لو كان مكتوباً (ما المانع) بأنه لو خذلكم بأنه لو تغير عليكم بأن عليه الاستقالة وتقديم الاعتذار لكم.
كثير من النواب أعطوا الناس وعوداً وردية وجعلوهم يعيشون «في العسل»، لكن لما «صار الصج» لم يجد الناخبون إلا غبارهم، بل وجدوهم يعلنون فشلهم في تنفيذ الوعود، لكن يقابله تشبث بالكراسي بالنواجذ.
اسألوهم «كيف»، فالمسألة ليست «ماذا»، بل ماذا سيفعلون ليكونوا على قدر الثقة.