طالعتنا جريدة الوطن الغراء في عددها الصــــادر أمــــس الأول (3215) بتاريــــخ 29/9/2014م بالعناوين التالية «بحرينيات: نحتاج مرشحاً قوياً أرفع من أي انتماء سوى الوطن»، كما دعون إلى شخصيات مؤهلة.
ولنا مع هذه المناشدة الصادقة من قبل الأخوات العزيزات علينا جميعاً أن نعيد للأذهان ما طالبنا به في مقال سابق بتعديل المادة الدستورية التي تشترط في النائب معرفة القراءة والكتابة فقط، دون ذكر لأي مؤهل علمي، في حين اقترحت أن يكون المؤهل العلمي شهادة البكالوريوس من الجامعات المعترف بها، وقد اصطدم المقترح من قبل النواب بعدم الموافقة عليه، واستقر الرأي أن يكون المعدل العلمي الثانوية العامة في بلد عرف التعليم عام 1919م، وحقيقة الأمر أن النائب تقع عليه مسؤولية كبيرة أمام الله تعالى والوطن فضلاً عن المواطن، إلا أننا نناشد المواطن والمواطنة أن يتذكرا قوله تعالى في صفة الشخص الذي يكون أهلاً للمسؤولية الوطنية، في التخطيط والتشريع، أن يتذكرا معاً قوله تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين».
فالقوة في الآية الكريمة لها عدة دلالات لا تنحصر فقط في القوة الجسدية، كما يفهمه البعض، وإنما القوة المقدرة والاستطاعة والفكر النير، مما يجعل ذلك المكون للشخصية القيادية التي تتطلبها المسؤولية، لكون النائب وكيلاً عن غيره -أي المواطن-، ومن هنا يتطلب الأمر الرؤية الثاقبة والفكرة الصائبة في إيصال الرسالة الملقاة على عاتقه إلى قبة البرلمان واضعاً في اعتباره الاستراتيجية التي ينطلق منها في التخطيط والتشريع للحاضر والمستقبل لأبناء وطنه من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والصحية والدينية، باعتباره مسؤولاً عن جميع أبناء وطنه، واضعاً في اعتباره التصور الشمولي لما يتطلبه منه الرجال والشباب والمرأة والطفل عندما يخطط للحاضر والمستقبل.
من هنا على النائب أن يعرف من أي مبدأ ينطلق وبأي عقل يفكر؛ هل يفكر بما يملى عليه أم لديه حرية التفكير المستقل؟ هذه بعض ملامح القوي في الآية الكريمة، المؤهل بالعلم والمعرفة والكفاءة العلمية المعترف بها من قبل المجلس الأعلى للتعليم، أما أولئك الذين يحملون المؤهلات العلمية المزيفة من أجل اللقب العلمي فإن ذلك لا قيمة للمؤهل العلمي لديهم حين تلتف عليهم المحافل في القول والعمل أثناء تداول الآراء.
وقد وصف أولئك الذين لا علم لهم الشاعر بضعف الرأي وقلة الحيلة:
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغيراً إذا التفت عليه المحافل
وهذا ما ينطبق على البعض الذين يتباهون بالألقاب العلمية، حيث أثبتت الحياة العملية والعلمية تهافت أدعياء المعرفة، مما يجعل صاحب ذلك اللقب العلمي صغيراً أمام الآخرين.
أما الصفة الثانية في بعض مدلول الآية الكريمة فهي الأمانة؛ والأمين هو الشخص الذي يأتمنه الغير على مستقبله، فضلاً عن أمانة الوطن، فالأمانة التي تبرأت منها السموات والأرض وأشفقن منها وحملها الإنسان، الظلوم الجهول بعواقب الأمور، فإنها أكبر المسؤوليات الملقاة على عاتق النائب، فانظر يا أخي المواطن وأختي المواطنة؛ هل تتوفر هذه الصفة في النائب الذي يستحق التصويت له؟ وهل هو حقاً مشهوداً له بالأمانة بين معارفه وأصحابه أم إنه شخص يغتنم الفرص لمصلحته ويقضي كما قضى البعض الفترة النيابية يعمل على تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي وتأمين مستقبله -عند التقاعد- ويبذل أثناء هذه الفترة كل جهده من أجل إيصال الرسائل المطلوبة منه، من قبل الذين جاؤوا به إلى معترك الحياة النيابية، حيث المحاصصة والمناصفة، ويكفي القول في ذلك أن اللبيب بالإشارة يفهم، ومن هنا تضيع الأمانة التي أؤتمن عليها من قبل الناخبين، فضلاً عن ضياع أمانة الوطن أثناء الفترة النيابية التي يقضيها في عصفٍ نيابي لا طائل من ورائه.
أما الأمر الثالث والأخير؛ فإن اللجان المنبثقة عن المجلس النيابي، تقرر ما يجب القيام به من استماتةٍ مخلصة وفكر نير، باعتبار هذه اللجان هي المسؤولة عن صنع القرار في المجلس النيابي.
فإنه للعلم أن نسبة التواجد والحضور في هذه اللجان فيما سمعته من بعض النواب المخلصين متدنية للغاية من قبل البعض، حيث ترحل القضايا المهمة والمصيرية التي تخدم المواطن والوطن في حاضرهم ومستقبلهم إلى الدور النيابي اللاحق، والسبب تعثر بعض اللجان في اجتماعاتها وقراراتها، مما يجعل المواطن والوطن في مهب الرياح.
فأين أمانة الحرص على مثل هذه اللجان المهمة؟
لقد سمعت الكثير من بعض النواب الذين يشكون من الغياب المتكرر وغير المبرر، وعدم حضور هذه اللجان ضمن إجراء متدنٍ في تطبيق اللوائح الداخلية للمجلس على النائب الغائب، إلا عن مصلحته ومصلحة الجهة التي دفعته للمجلس.
إخواني وأخواتي الناخبين؛ إن اختياركم النائب القوي الأمين هو ما ينطبق عليه قول القائل:
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحــوا
فإن تولوا فبالجهال ينقادوا
فعليكم اختيار النائب عن قناعة وإيمان، القوي الأمين المستقل برأيه وحرية تفكيره، وملازمة المرشحين له حينما يجتمع بهم ويستمع إلى آرائهم، وينقل ذلك للمجلس بكل إخلاص وأمانة.
هذه بعض الخواطر حول مفهوم هذه الآية الكريمة للإخوة والأخوات الحريصين جميعاً على اختيار النائب المناسب عند الإدلاء بأصواتهم عملاً بقوله تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين».