«هل كيف يعني؟!»؛ هذا السؤال «الدرب الزلقي» الساخر يبرز بقوة حال قراءة أو سماع عبارة «كلنا الوفاق.. كلنا وعد»، لأنه وإن توفر ما يظهر أن بين الطرفين مشتركات إلا أن الفارق بينهما واسع والاختلاف كبير، أقلها أن الوفاق جمعية سياسية إسلامية أعضاؤها ينتمون إلى مذهب إسلامي معين ولها مرجعيتها الدينية ونظرتها الدينية وأهدافها الدينية، بينما وعد جمعية سياسية يسارية، وهي امتداد للجبهة الشعبية التي كانت تعمل تحت الأرض ولها أهدافها ونظرتها ومرجعيتها التي تختلف عما لدى الوفاق.
بسبب تطورات الأحداث التي تعيشها البحرين اجتمع الضدان وصارا يصدران مع جمعيات سياسية أخرى بيانات مشتركة، بعد أن وصلت كل واحدة منها إلى قناعة بضرورة التغاضي عن بعض المبادئ كي تظهر «المعارضة» ككتلة واحدة في هذه المرحلة، وأطلقوا عليها اسم «القوى الوطنية المعارضة»، وهو أمر عاقل لكنه لا يستمر، لأن الأساسات التي ترتكز عليها كل جمعية من هذه الجمعيات تختلف، فالوفاق لا يمكن أن تتطابق مع وعد أو المنبر التقدمي، لأن الوفاق إسلامية شيعية ووعد والتقدمي يساريتان، وبالشعبي؛ هذه تصلي والأخريان لا تعرفان الصلاة. ولعل الجميع يعرف مدى الخلاف بين وعد والتقدمي وهما جمعيتان يساريتان تقاسمتا العمل النضالي معاً سنوات طويلة، فلا هذه «تبلع» تلك ولا تلك تستوعب هذه! فلكل منهما أفكارها وقناعاتها.
شعار «كلنا الوفاق.. كلنا وعد» ظهر فور إقدام وزارة العدل على رفع دعوى ضد الوفاق لتصحيح وضعها ليصير قانونياً صحيحاً، وفور إبلاغ جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» بأن عليها أن تتدارك بعض الأمور ليصير وضعها قانونياً. هذا يعني أن الكل وفاق والكل وعد لأنهما يرفضان أن يشملهما القانون الذي يناديان بتطبيقه على الجميع، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الوقفات لأنه ليس من المنطق أن تنادي هذه الجمعيات السياسية بسيادة القانون والاحتكام إليه ثم تقوم برفضه ورفض كل الدعاوى القانونية إن كانت ضدها.
أيضاً لماذا ربطت هذه الجمعيات السياسية بين مسألة دعوتها لتصحيح أوضاعها القانونية بمسألة الانتخابات، خصوصاً وأن الانتخابات ستتم بها أو دونها؟ فدعوة الملك ورئيس الوزراء وولي العهد للمشاركة في الانتخابات المقبلة تضمنت «أمنية» بمشاركة الجميع، وهذا يعني أن الباب مفتوح للجميع ليشارك في الانتخابات، لكن الانتخابات نفسها لن تؤجل ولن تلغى لأن هذه الجمعية أو تلك أو حتى كل الجمعيات السياسية قررت عدم المشاركة فيها، فـ «البلم ماشي».
لا يمكن أن يكون الوفاقيون والوعديون كلهم الوفاق وكلهم وعد، لأن الفارق بين الطرفين كبير واللقاء بينهما محدود في مساحة ضيقة فرضتها الظروف وتطورات الأحداث في البلاد ليس إلا، أي أنه في الوضع الطبيعي تكفر الوفاق وعد، وقد لا تعترف وعد بالوفاق.
الوفاق لا يمكن أن تصير وعد حتى لو ارتدى كل أعضائها ربطات العنق وحصلوا على فتوى بممارسة ما هو حلال عند وعد، ووعد لا يمكن أن تصير الوفاق حتى لو ارتدى كل أعضائها العمائم وصاروا يؤمون المصلين في المساجد. الوفاق هي الوفاق ووعد هي وعد، ولا يمكن أن نصير كلنا وفاق وكلنا وعد!
توافق الوفاق ووعد والتقدمي والقومي على بعض الأمور لا يعني أنهم صاروا واحداً، فلكل سبيله الذي لا يطيق الآخر السير فيه، ولو تغيرت الظروف لبانت معاداة أحدها للآخر. هذه الجمعيات فرضت عليها الظروف أن تبدو ككتلة واحدة لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون كلها واحداً.
أمر آخر ربما كان مفيداً الإشارة إليه في صيغة سؤال؛ لماذا ردة الفعل السريعة والقوية هذه من الوفاق ووعد إلى الحد الذي اعتبرا نفسيهما «اثنين في واحد»؟!