سؤال طرق أسماعي بالأمس، وأراه مهماً توجيهه لكل شخص هنا ليكون منطلقاً لما نود قوله. يا مواطن؛ ما هو أول شيء تفكر فيه عندما تنتقل إلى عمل جديد؟!
الإجابات هنا تتعدد؛ فهناك من سيقول بأنه يفكر في موقع مكتبه، أو صلاحياته في الإدارة، أو وضعه الوظيفي وراتبه، أو المجموعة التي سيعمل معها، إلى غيرها من إجابات تقليدية هي ليست ما نبحث عنه هنا.
الإجابة الصحيحة والتي هي للأسف يجب أن تكون محور كل شيء لكنها غائبة عن الأذهان، تتمثل بالسؤال عن «الإنسان»، نعم الإنسان بمعنى العميل أو الزبون أو المستفيد من خدمات هذا القطاع.
في بناء الاستراتيجيات أوغلت المجتمعات العربية في توصيفات فضفاضة تتعلق بسرد إنشائي للرؤية والرسالة، ويكشف النص الذي يورد فيهما عن غياب أهم نقطة تمثل صلب عمل أي قطاع، ونعني ما هو معني بالمستفيد، وعليه ترى الرؤية تصاغ وكأنها معنية بالقطاع وموظفيه فقط، وهنا الخطأ.
في علم الإدارة وصياغة الاستراتيجيات الصحيحة والعمل فيها، لابد وأن يكون التفكير منصباً على المسوغ وراء كل العمليات، وهنا يأتي الإنسان أو المستفيد، وحينما نرى هذا العنصر الرئيس مغيباً في الرؤية ولا تهتم به العمليات بقدر اهتمامها بالموظفين، فإننا هنا نكون قد دخلنا مرحلة «الانحراف في التفكير!».
بناء الاستراتيجيات لكافة القطاعات لا يجب أن يكون بناء اعتباطياً، بل يفترض أن يكون له منطلقاً وأساساً، وهنا نتحدث عن «الرؤية الرئيسة للدولة» والتي في أبلغ صورها وكمالها لابد وأن تكون بصيغة كالتالي: «تحقيق السعادة للمواطن»، أي رفع مؤشر السعادة العالمي لدى المواطن في دولته.
وبناء على هذا الهدف الرئيس، تنطلق كافة الرؤى وتبنى الاستراتيجيات، والتي يفترض بأنها تتمحور حول الإنسان والمستفيد، وبالنسبة للقطاعات الرسمية فهو المواطن.
في فعالية أداء القطاعات لابد وأن تقيم كل عملية على أساس فائدة الناس من ورائها، ولابد أن يكون العمل على تجنب وقوع أي ضرر على المواطن والتركيز على استفادته، أي أن العمليات لابد وأن تخرج بنقاط إيجابية له لا سلبية، وعليه حينما يوضع نصب العين شعار «المواطن ممنوع لمسه بما يضره» فإننا نسير في اتجاه صحيح لتحقيق رفع مؤثر في مؤشر السعادة، شريطة أن يقابل عدم لمسه عملية تحسين وضعه وتقديم الخدمات الأفضل له.
تمر علينا شعارات عديدة أهمها أن «المواطن هو الأساس»، وعليه ليس من المقبول أن تكون هناك عمليات لا تتمحور حول المواطن، وليس صحيحاً ألا تبنى في خلاصتها على تحقيق الرضا لديه.
لو كل معاملة في نقاط مرورها على الموظفين في أي قطاع تم التعامل معها -عند كل نقطة- على أساس التفكير أولاً في «المواطن»، لما وجدنا حالات تذمر أو استياء أو إحباط، ولخفت حدة النقد بل لربما تلاشت وحلت محلها الإشادة والتقدير، لأن المحصلة تسفر عن صالح المواطن.
خبراء صناعة الاستراتيجيات وصائغو الرؤى يقولون بأن «الرؤية التي ليست لها علاقة بالعميل، ليست برؤية»، فالحال يشابه لعب كرة القدم، إذ كل العمليات تتم عبر تمريرات وبناء هجمات وتوزيعات على امتداد الملعب ولكن هدفها في النهاية إدخال الكرة في المرمى، وعلى نفس القياس كل العمليات يجب أن يكون هدفها المسجل في مرمى «رضا المواطن والمستفيد». هذا هو الأساس الأول في بناء أي استراتيجية ناجحة، وهذه هي الدعامة الرئيسة لأي رؤية تقدم وتطلق ويتم الإعلان عن العمل بها.
لو كان نصب عينينا بأن «المواطن.. ممنوع لمسه» في حقوقه وفي الخدمات المقدمة له وفي سبيل خدمته، لما وجدنا استياء منه ولما وجدنا عثرات تعيق عملية التقدم والبناء.