لو تتبعنا ما تنشره الصحافة وكتابات الكتاب و«بعض» ما يتداولــه النواب بالأخص في «شعاراتهـــــم»، والأهم من ذلك ما يعبر عنه الناس، سنجد أن هناك إجماعاً على ضرورة رفع مستوى معيشة المواطن.
القناعة الأساسية في علم الإدارة الذي ينشد الخلوص لأفضل الممارسات هي تلك التي تقول بأن المخرج أو المنتج أو الإجراءات في النهاية عليها أن تكون متوجهة للمواطن وتحقق الرضا لديه وتلبي تطلعاته.
الدولة نفسها في كثير من تصريحاتها تضع المواطن كأولوية وتعد بأن تكون الإجراءات متركزة عليه، مع التحفظ على أداء بعض الوزراء والقطاعات التي يبدو أن المواطن في أدنى سلم الاهتمامات لديها.
حينما نورد جملة مثل «رفع مستوى المعيشة»، هذه الجملة لا يجب التعامل معها بأي استخفاف أو تقليل لشأنها، إذ الاستهتار في تحسين وضع المواطن أو تأجيله ليكون في غير مقدمة سلم الأولويات، مسألة لها تداعيات عديدة ولكن أخطرها يتمثل في الوصول لمرحلة يستغل فيها المواطن نتيجة غضبه أو قهره أو إحباطه، وهذا ما يمكن قياسه وملاحظته خلال السنوات الماضية.
وحتى نعرف خطورة المسألة لابد من الإشارة لتداعياتها السلبية، إذ يركز خبراء علم الإدارة على ضرورة محورة كل الاستراتيجيات لتهدف إلى رفع الأداء وعليه تحقيق «سعادة أكبر» للمواطن أو العميل، وهو ما يؤثر على مؤشر السعادة العام، ورفع مستوى المعيشة أحد هذه العوامل القوية التي يمكن إما أن تعزز الوضع العام للبلد وتقوده للأفضل أو أن تؤدي لانحراف في مساره وتحكم عليه بظروف صعبة.
انخفاض مستوى المعيشة وعدم الاهتمام برفعه مسألة تؤدي إلى مخاطر عديدة، على رأسها المخاطر الأمنية التي تؤدي إلى زعزعة استقرار البلد والتأثير على أمنه، خاصة حينما يتم التحشيد بصورة مقصودة لمناهضة الدولة بالاستفادة من استياء الناس.
أيضاً هناك مخاطر سياسية تؤثر حتى على عملية رسم السياسات واتخاذ القرار، وقد تؤدي للتداخل مع محاولات تأثير خارجية، سواء جهات أو أنظمة تحاول استغلال الوضع، بالتالي هذه المسألة قد تفرض استغلال الوضع الداخلي في شأن خارجي قد يدخل ضمن تصفية حسابات أو استهدافات. وهنا خطر كبير جداً.
أيضاً المخاطر الاجتماعية سيرتفع مؤشرها تصاعديا، وقد يتحول مجتمع آمن إلى مجتمع تتزايد فيه معدلات الجريمة سواء سرقات أو اعتداءات أو حتى تجاوزات وفساد.
ناهيكم عن المخاطر الاقتصادية وعلى رأسها طرد الاستثمارات وتحويل البيئة العامة للبلاد إلى بيئة لا تستقطب الاهتمام ولا تقوى على التنافسية، وبالتالي تتأثر الموازنة العامة للدولة ويتأثر الحراك الاستثماري وتتعطل عجلة الاقتصاد.
هذه المخاطر تستوجب استقراءات مستقبلية، لكن الأفضل من ذلك تستدعي محاولة تعامل صحيح معها ومعالجات ليس بمستوى محاولات الاحتواء بقدر ما تكون مساعي لتعديل الأوضاع، وسد الباب أمام تفاقم مسألة قد نراها صغيرة لكنها تتحول مع التقادم الزمني لما يشابه كرة الثلج المتدحرجة من علو.
تعديل الوضع بالنسبة لمستوى المعيشة هو بحد ذاته «صمام أمان» لأي دولة، تحقيق الرضا لدى الناس عملية لديها نتيجة حتمية تتمثل بالوصول لمرحلة استقرار تفضي إلى الأمن العام بغض النظر عن محاولات زعزعة للأمن وصفاء المجتمع تحصل لأهداف أخرى لا علاقة لها بوضع الناس.
الاستقرار يسهم في تعزيز الأمن القومي، ويحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وطالما أن المواطن قانع وراض وموقن بأن كل السياسات وكل العمليات هدفها تصليح وضعه وتحسين الأمور وتقديم الأفضل له، حينها تكون الدولة بمنأى عن أية مخاطر ويكون الطريق معبداً أمامها لتنهض بصورة صحيحة وتتجه في مؤشراتها تصاعدياً نحو التطور.
نأمل أن نرى هذا المستوى المعيشي يرتفع، ونأمل أن نصل لوقت نرى فيه علامات الرضا على محيا المواطن البحريني الطيب والذي يستحق كل الخير.