راحت ليالي الأنس والأنيس وودع الكرم وحسن الضيافة وانتهى كل شيء بعد العرضة والرزيف، وعادت الناس إلى بيوتها تنتظر تحقيق الأماني والوعود الذي قطعها على نفسه ذاك الرجل الباسل الذي قال أنا لمنطقتكم سأجد وأعمل وأجعل لكم ساحلاً جميلاً، وأبني لكم ملاعب ومراكز للشباب، وللأطفال حدائق ومنتزهات، ومشاريع إسكانية لأهالي المنطقة، ووظيفة لكل عاطل، وسأكون لكم الأخ والعضيد والصديق، وهكذا تنتهي ليالي الأنس والأنيس بوداع ذاك الباسل الذي قد تكون آخر لحظات اللقاء به، وربما قد يكون بابه مفتوحاً كما وعد وعاهد.
يعود الرجل الباسل بعد أن خرج من بيته واسمه عبدالله عبدالرحيم وعاد إليه باسم سعادة النائب عبدالله بن عبدالرحيم، وهكذا يبدل الله الأحوال في لحظة، فسبحان الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير، وها هو رجل مغمور بالأمس لا يعرفه أحد، أما اليوم فيعرفه القاصي البعيد ويعرفه من الخلق كثير، ويفسح له في المجالس وتصير زيارته وجاهة وتشريفاً، فيخص بالقهوة ويقدم له «الكدوع»، فهو الضيف العزيز بعد أن كان ليس له وجود ولا كأنه موجود في مجلس أو مسجد أو طريق، فالرجل كان مغموراً غير معروف، قد لا يكون له حضور اجتماعي ولا له في السياسة ولا يدري ما حوله يجول، ولكن الظروف خدمته وأتاحت له الفرصة عندما كانوا المترشحون الآخرون ليسوا بالمستوى المطلوب ولا لهم جمهور ولم تدعمهم جمعية وإمكاناتهم المادية محدودة، والرجل الباسل تفوق عليهم فأحواله المادية ممتازة وأتيحت له فرصة ذهبية لم يتوقعها ولم يحلم بها ولم يتوقعها كذلك الآخرون، ولكن الله قدر وفاز هذا الرجل الباسل الذي ودع الناس وداعاً قد يكون الأخير وبعدها لن يكون هناك لقاء جديد، ولن تكون خيام ولا طعام ولا عرضة ولا رزيف، حيث لم يعد لهذه الأشياء لزوم، كانت فقط لوقت محدود وأمراً مطلوب، فالرجل لم يكن قبله كريماً ولا مجلسه مفتوحاً، ولكن للضرورة كما يقولون أحكام، وبالتأكيد قد يكون بعضهم عكس ذلك، فأصابع اليد ليست سواء.
شيء جميل؛ فالرجل الباسل يستحق التكريم والتدليل، أولاً لأجل البحرين فقد لبى النداء وهذا بحد ذاته شيء مطلوب وممنون، فمن يلبي نداء الوطن هو مواطن صالح غيور، فالوطن بالنسبة لشعب البحرين هو الأول والمقدم على كل منفعة خاصة، فلا مشاريع إسكانية ولا وظيفة يمكن أن تكون في وطن ليس فيه أمان ومهدد من كل مكان، فهذه المنافع لا تقدمها إلا دولة مستقرة أمنياً فيها الاقتصاد يزدهر ويتقدم، فبفضل أبناء الوطن الذين تقدموا للترشيح وبفضل شعب البحرين الذي أقدم على صناديق الانتخابات تحققت ركائز الاستقرار وبدأت ملامح النهوض بالاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية والارتقاء بالخدمات وتوفير الحياة الكريمة لكل مواطناً مخلص وقف مع بلاده وقفات مشرفة في لحظات الأزمات، وقد مرت البحرين بسنوات عصيبة وبمؤامرة انقلابية خبيثة، لكن بفضل من الله تنتهي اليوم هذه المؤامرة، وتعود البحرين أحسن مما كانت عليه، فالشعب متفائل وها هي علامة تفاؤله بأنه أقدم على الانتخابات بتحد وإصرار عندما جعل البحرين نصب عينه، وبأنه وطنه العزيز الذي لن يجد له بديلاً، وطن نشأ فيه وتربى على ترابه وفي مدارسه وجامعاته تعلم، إنه بالفعل شيء جميل فالرجل الباسل يستحق التكريم، وكذلك الشعب البحريني الوفي الأصيل يستحق كل التدليل.
وعادت إلى البحرين البهجة والأنس وعادت معها الأماني والأحلام الجميلة، وغداً سيطل علينا مستقبل واعد فيه تكلل المساعي المشكورة من قادة البلاد الذين حملوا الهموم الثقيلة وعبروا بالبحرين من وادي سحيق إلى ضفاف بحيرات جميله، وبفضل الله وبتكاتف الشعب والتفافه حول قيادته صارت البحرين مضرب في الأمثال في الحكمة وكيف أبحر بها ربان السفينة، وها هي اليوم تختتم الليالي الجميلة برجال نرجوا أن يكونوا كما قلنا بواسل، وأن يحللوا رواتبهم وامتيازاتهم التي سيحصلون عليها مقابل خدماتهم، فشعب سيحاسبهم على صمتهم وعلى لغوهم، ولن يغفل عنهم في صغيرة ولا كبيرة، وليأخذوا في اعتبارهم أن مهمتهم تكليف لا تشريف، وعليهم محاسبة النفس صباحاً ومساء، وهذا قول أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في محاسبة النفس على التقصير «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية».
فيا نواب وممثلي الشعب احتاطوا وتحيطوا، فقد ذهبت من الناس السكرة وجاءتهم الفكرة وهم ينتظرون منكم الكثير، والبحرين منكم تستاهل الوفاء والإخلاص في النية والعمل، فإن كان دخول البعض منكم المجلس للوجاهة وتحسين وضعه المعيشي وضمان معاش تقاعدي يقضي باقي العمر عليه مرتاحاً، والله سينكشف، ومن كان دخوله لتمثيل الشعب وخدمة البلد فإن الله سيبارك له في نفسه وفي عياله وفي ماله.