يقول الشيخ سلمان العودة: «وأنت تكسب أكثر حين تصر على عادة الفرح للآخرين، وتدرب قلبك عليها مرة بعد مرة، شارك إذاً في الثناء المعتدل على هؤلاء الأخيار، وادع لهم وبارك، وإذا كنت لا تعرفهم فلا أقل من أن تعبر عن شعور الاغتباط بوجودهم وذكرهم وتردد: ما شاء الله، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، تقبل الله منهم، وبارك في جهدهم. وإياك أن تظن أن إنجازهم يعرقل إنجازك، بل هو رديفه ومساعده وداعمه، ولا أحد يأخذ رزق غيره، والفرص بعدد بني آدم «وبناته»، بل لا أبالغ إذا قلت: إن الفرص هي بعدد أنفاسهم لو شاؤوا! ولا شيء يمنح الحيوية للحياة ذاتها، وللأحياء مثل التنافس في الخير، والتسابق إليه، وهو ما حث عليه الذكر الحكيم، كما في قوله تعالى: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون»، والسبق هنا قبل أن يكون بالأعمال المحسوسة التي يراها الناس ويحكمون على الفرد والجماعة من جرائها، إنما يكون بصفاء الباطن، ومتانة العلاقة مع الله، وسلامة النية، وحسن المراقبة، وحسن الظن بالناس، وسائر المعاني القلبية الإيجابية التي قلما يتنافس الناس فيها لخفائها، مع أنها هي سر السبق». وهذا من لطيف المعاني في الفرق بين «السبق» وبين «التنافس»، وقد روي عن بكر بن عبدالله المزني أنه قال: «إن أبا بكر رضي الله عنه لم يفضل الناس بكثرة صلاة ولا صوم، وإنما فضلهم بشيء كان في قلبه».
كلما حاولت أن أبتعد قليلاً عن وصلات المعاني الحياتية المعقدة التي تقابلنا مواقفها كل لحظة، كلما وجدت نفسي مضطراً أن أعود لتسليط الضوء عليها من جديد، وعلى نسيج متراكب مختلط من المعاني التي تفرزها طبيعة العلاقات البشرية التي تكتظ حياتنا بمعالمها متى ما تعددت صنوف البشر الذين تتعامل معهم.
الصورة القلبية الجميلة التي رسمها الشيخ سلمان العودة في كلماته البليغة السابقة، تتضح معالمها بصورة متكررة في عالمنا اليومي، وبالأخص في المشاهد المتكررة للعمل اليومي الذي نمارسه يوميا مع أصحابنا الذين نقضي معهم جل الأوقات من أجل لقمة العيش، أو مع أولئك الذين جمعتنا به أواصر المحبة والأخوة في الله تعالى في ميادين العمل التطوعي والخيري، ترتسم أمامك صورة ذلك الصديق الوفي طيب القلب النصوح الودود السمح في تعامله مع الآخرين، المحب للخير لغيره، منحه الله تعالى فرصة جميلة أسعده بها ليتولى في محطة حياتية جميلة من عمره، زمام مسؤولية جسيمة بل حلوة في الوقت ذاته، يستطيع من خلالها أن يدفع بعمل الخير إلى أسمى المقامات، ويغير قناعات خفية قد تتغير، ولو بعد حين، الجميل في الأمر أن من أحبه ولو كان منافسا له في الخير ضمه بين ثنايا قلبه الحنون، وسارع ليكون أول المهنئين بتلك الباقة الجميلة التي ترسم أجمل معاني الحب والوفاء والصدق، وسارع غيره بصفاء نيته وإيمانه العميق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «حب لأخيك ما تحب لنفسك» بتعبير جميل، نحن معك نمضي في دروب الخير، كلنا سنكتب كلمات حلوة، نبصم أثراً تتحدث عنه الأجيال، لوحة يتكلم عنها كل إنسان، ما شاء الله، تبارك الله، فرحت لك يا أخي كثيراً، بابتسامته المعهودة وحبه وإحسانه، هو السبق الخفي الذي تحسه بتلك المشاعر الودودة التي يعاملك بها صاحبك، الذي أحبك وأحب أن تكون في مرتبة رائعة تقدم فيها الخير للآخرين.
وعلى النقيض تلسعك تلك التهنئة الخافتة التي ترسل إشاراتها الشخصية المهزوزة التي لم تعرف لمعنى التنافس أو التعاون أو المحبة أي معنى في حياتها ولم توف صاحبها حق قدره! تهنئة مبطنة بغيرة عمياء وحسد وغيبة ونميمة! تهنئة خجولة يقابلها أسلوب عنيف في التعامل وتصيد للعثرات وكسر حواجز الاحترام، لقد حاد عن الصواب وتناسى أن كل إنسان إنما يأخذ رزقه في حينه ولا يأخذ رزق غيره، والحياة فرص، والمرء عليه أن يتنافس مع غيره في الخير، وإن سبقه صاحبه فليحمد الله تعالى أن وفقه بأن يكون في مكان يحتويه يساعده على عمل الخير، وليعد العدة ليكون خير سفير لمعاني الخير ونقاء السريرة في تعامله مع الآخرين، فيكون في تنافس دائم من أجل أن يصنع كل ميادين الخير في حياة البشر.
غريبة هي طبائع بعض البشر، يحبون أن يسيطروا على الجميع، يحبون أن يوجهوا سهام الطعن والنقد لأصحاب الإنجازات الجميلة، يكرهون أن تتقدم عليهم، يجرحون مشاعرك في وجودك وغيابك.
همسة: نصيحة من قلب محب لكل إنسان نمضي معه في الركب في كافة الأصعدة، كن سباقاً إلى الخير، بنيتك المخلصة وبقلبك المحب للآخرين، ترتسم معه تقاسيم الفرح، افرح لفرحهم وأدخل السرور إلى نفوسهم، وإياك أن تثقل عليهم بمسالكك المجنونة، الحياة قصيرة، دعونا نعمرها بالحب والعطف والإحسان.