لأن تعدادهم قد يفوق تعداد خمس العالم وحده، فإنك تجد الصينيين في كل مكان، في أصغر دولة وفي أكبر دولة، ولو أرادوا لوجدتهم في الفضاء أيضاً بلا مبالغة!
في جامعتي البريطانية خلال دراسة الماجستير أحصيت في الكلية المعنية بالإعلام والدبلوماسية أكثر من 50 صينياً، هذا في كلية واحدة، وتوثقت علاقتي بعدد منهم، والذي يفاجئك فيهم تلك العقلية اللانمطية التي تعرفها في سائر البشر. ربما لأن عددهم قرابة المليار ونصف ولأجل السطوع في عالم مكتظ بالبشر لابد وأن تكون مميزاً لآخر درجة.
الصينيون بحد ذاتهم قصة، سورهم العظيم الذي يمتد لـ 2400 من الكيلومترات، والذي تضاهي أسطورة بنائه بناء الأهرام المصرية، سورهم تراه من القمر بحسب ما تفيد ملاحظات وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».
في كل بلد في العالم لابد وأن تجد حياً تجارياً يسمونه «الحي الصيني»، فيه من المحلات الصغيرة والدكاكين التي تبيع المشغولات الصينية والأدوات الدقيقة الكثير، وفيه المطاعم التي لا تقدم إلا الطعام الصيني.
في لندن، وفي منطقة «البيكادللي» التي تتميز بمزيج غريب من المتناقضات، سواء محلات «الماركات» أو المحلات البسيطة، أو شارع وضاحية «المسارح الغنائية» أو حي «سوهو» بنشاطاته المشبوهة، تجد هناك «الحي الصيني» الذي يتميز بألوانه وشعاراته، وإن كنت حسن الحظ وتصادف وجودك هناك في موعد السنة الصينية الجديدة التي توافق أواخر يناير أو بداية فبراير، ولو كان حظك أسعد وكنت هناك في سنة «التنين» التي تأتي كل 12 عاماً (آخرها كان سنة 2012)، فإنك ستجد انفجاراً مهرجانياً أحمر غريباً يجعلك تفكر بأن هذا ما يفعله الصينيون في مثل هذه اللحظة في كل أنحاء العالم.
شعب يجعلك تحترمه، تريد أن تتواصل معه، تريد أن توثق علاقتك معه، فهو يقدم قوته وتفوقه بشكل مختلف عن الآخرين، لا يضاهيهم فيه لا الأمريكان ولا الروس ولا حتى البريطانيين، الصين مثلما قلت قصة بحد ذاتها، محظوظ من تريد أن تتعاون معه وتكون حليفاً له.
كل هذه المقدمة، لنبين صحة وذكاء الاتجاه الذي اتخذته قيادة البحرين في مد جسور التعاون للشرق الآسيوي، بالأخص الصين وبعد زيارة جلالة الملك حفظه الله لبكين في 2013، إذ في ديسمبر القادم تفتتح الصين أكبر استثمار لها في البحرين، ممثلاً بمدينة «التنين البحرين»، وهي فكرة مطورة لظاهرة «الأحياء الصينية» المنتشرة في العالم، تتمثل بإنشاء مجمع تجاري ضخم ضم مجموعة كبيرة من المحلات الصينية، ولعل الكثيرين يعرفون ما أعني، خاصة زائري دبي والتي فيها بنى الصينيون أول مدينة «للتنين» قبل عشر سنوات على امتداد 50 ألف كيلومتر ويضم محلات ومخازن لأكثر من 3 آلاف شركة صينية تمارس الاستثمار في دبي.
في البحرين وبحسب التصريحات الصحافية المنشورة يوم أمس لشركة «تشاينا مكس» فإن افتتاح مدينة «التنين» في البحــرين سيكــــون في ديسمبر القـــادم على هامــــش احتفالات العيد الوطني، وتبلغ مساحة المدينة 100 ألف متر وستحتضن 787 محلاً تجارياً و5 آلاف مخزن، ويتوقع أن يزورها 3 ملايين زائر.
سنترك حسبة الأرقام الاقتصادية وعوائد الاستثمار ومداخيل التشغيل والتأجير وغيرها لخبراء الاقتصاد ليحسبوها، إذ سنتوقف هنا عند نقطة بالغة الأهمية يجب تسليط الضوء عليها، إذ هي المفتاح و»كلمة السر» لكل ما يحصل، إذ قال نائب رئيس شركة «تشاينا مكس» الصينية في لقائه المنشور أمس في الزميلة «أخبار الخليج» أن أحد أهم العوامل التي حفزت الصين لتكرار تجربة دبي في البحرين بإنشاء مجمع «التنين» تمثلـت بأجواء الأمن والاستقرار التي تتمتع به بلادنـــا.
هذه نقطة لابد وأن نقف عندها، ولابد من التأكيد عليها، إذ رأس المال من الاستحالة أن يبقى في منطقة متوترة متأزمة، ومن الصعب أن تستقطب الاستثمارات في بيئة تتضرر من أفعال الإرهاب والإرهابيين.
وعليه، فإن المؤشر واضح بأن البحرين نجحت في إعادة استتباب الأمن والسيطرة على الفوضى والتخريب «المنظم» و«الممنهج» وذلك عبر جهود أجهزة الأمن وعبر تطبيق القانون، وعبر التصدي لأية جماعات تريد الإضرار باستقرار البلد، وهي بالأحرى تضر اقتصاده قبل كل شيء. وهنا، الشكر موصول لجلالة الملك على حنكته في فتح الباب لتعاون البحرين مع قوى عالمية مبهرة مثل الصين، وعلى خبرة وحصافة سمو رئيس الوزراء الذي دائماً يؤكد بأن الاتجاه شرقاً أفضل من البقاء غرباً لدى حلفاء تحكمهم المصلحة، وطبعاً لجهود أجهزة الأمن، وأخيراً للأصدقاء الصينيين الذين توجوا هذه العلاقة التجارية الاستثمارية الجميلة بـ «تخليد» تنينهم العظيم في «أرض الخلود» البحرين.