إن كنا لا نهتم برأي المواطن وإن كنا لا نعرف ما إذا كان سعيداً أم حزيناً وما هي دوافع تولد هذه المشاعر كيف يمكننا بالتالي تصليح أي خلل موجود؟!


مبادرة جميلة أطلقها نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي، سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم متمثلة باستبيان فيه سؤال واحد محدد موجه للمواطنين والمقيمين في دبي.
السؤال يقول: هل أنت سعيد في دبي؟! مع خيارات ثلاثة هي: سعيد، محايد أو حزين.
الهدف واضح من الاستبيان، وهو قياس مدى رضا المواطن والمقيم عن نمط الحياة والخدمات المقدمة ومستوى المعيشة، وهو الأمر الذي يمكنه تحديد موقع مؤشر السعادة للشعوب.
فكرة جميلة، وهدفها أجمل، تعكس الحرص على معرفة انطباعات المواطنين والمقيمين، ومحاولة بحث أسباب السعادة وتعزيزها وكشف كذلك أسباب الحزن وحلها.
إن كنا لا نهتم برأي المواطن، إن كنا لا نعرف ما إذا كان سعيداً أم حزيناً، وما هي دوافع تولد هذه المشاعر، كيف يمكننا بالتالي تصليح أي خلل موجود؟! كيف يمكن ترقية الخدمات؟! كيف يمكن تحسين وتطوير العمل ليفضي لمخرجات تحقق الرضا لدى الناس؟!
كل العمل الذي يدور في أي دولة هدفه ترقية المجتمعات وخدمة الناس، وعليه فإن رأي الناس مهم، بل هو عامل رئيس في أي حراك، ورضاهم هي الغاية المطلقة التي من أجلها تبذل الأموال والجهود ويستمر العمل.
لو افترضنا أن الاستبيان كشف عن أن المواطنين والمقيمين سعداء بسبب جوانب معينة، النجاعة حينها تكون بتعزيز هذه الجوانب وتطويرها بما يضمن استمرار هذا الرضا، ولا يجب إغفال هذه الجوانب البتة باعتبار أن الرضا بشأنها موجود، إذ الأخذ بأسلوب ضمان النتائج قد يؤدي إلى تراجعات غير محسوبة، بالتالي المطلوب الحرص على البقاء في «قمة الأداء» لتستمر «سعادة» الناس.
في المقابل، لو كشف الاستبيان لنا الجوانب التي تجعل الناس غير سعداء، والجوانب التي تجعل الشخص حزيناً، هنا لابد من تحرك جاد لخلق عملية «انقلاب» في مشاعر الناس، بحيث يتم استبدال الحزن بالسعادة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال معرفة أسباب الحزن، ولماذا حصلت؟! وما هي نظرة الناس، وما يطمحون إليه؟! والعمل بناء على رغباتهم بأسلوب عقلاني مسؤول، يحقق لنا في النهاية الغاية بتحويل الحزن إلى سعادة.
كثيرة هي القرارات والإجراءات المهمة التي تتخذ بمعزل عن الناس ومعرفة آرائهم، وفي أمور تمسهم مباشرة، سواء في وضعهم المعيشي أو الخدمات المقدمة لهم، ومع ذلك فإن معرفة آرائهم وردات فعلهم يفترض أن تكون ذات أولوية، إلا أن بعض المسؤولين واضح أنه يستاء من تعبير الناس عن آرائهم خاصة إن كانت تتضمن نقداً للسياسات أو الإجراءات، وهذا تعامل خاطئ تماماً.
حينما نستمع للناس باهتمام، ونسعى لمعرفة رأيهم وأخذه على محمل الجد، فإننا بالضرورة سنكيف عملنا ليخدمهم ويصب في صالحهم، وسنحرص ألا تكون قراراتنا متسببة في «حزنهم» في أن تكون مصدراً في «سعادتهم».
تجربة سمو الشيخ محمد بن راشد تستحق الإشادة وتستحق التمعن فيها، والاستفادة منها ليست بمسألة فيها انتقاص لنا، بل على العكس تضيف لنا وتخدمنا إن كنا نحرص بالفعل على سعادة الناس.
أمنياتنا كبيرة أن نصل لمرحلة يجيب فيها المواطن عند توجيه السؤال له بأنه «سعيد»، وأن يبتعد عنه «الحزن»، وكل ما يسببه.