تعامل الشرطة الإيرانية مع أي مظاهرة ضد السلطة في إيران لا يختلف عن تعامل أي شرطة في أي بلد من بلدان العالم مع أي مظاهرة تخرج من دون ترخيص أو تخرج عن إطارها إلا في أمور ثلاثة أولها النية، فما تقوم به شرطة الملالي من تنكيل للمتظاهرين هو خالص لوجه الله وتعتبره دفاعاً عن الدين وامتثالاً لأوامر المرشد، أي النية حسنة وبالتالي فإن القسوة على المتظاهرين فيها أجر عظيم وثواب لهم وللمتظاهرين أيضاً! وثانيها أن مسيلات الدموع وكل الأدوات التي يستخدمونها لقمع المتظاهرين مصنوعة في إيران وعلى أيدي خبراء إيرانيين وليست مستوردة، وهذا تشجيع للصناعة المحلية واختبار لمدى متانتها وفعاليتها قبل السماح ببيعها أو إهدائها للدول والأحزاب المحسوبة على إيران، وثالثها أن الشرطة واثقة من أن الخطأ لا يمكن أن يأتي من حكومة الملالي، وبالتالي فإن الأوامر التي تصدر عنهم لقمع المتظاهرين تكون مدروسة وحسب الشريعة الإسلامية.
الأخبار التي انتشرت أخيراً عن قمع الشرطة الإيرانية للأحوازيين والآذريين وعززت بفيديوهوات وصور لا تقبل الشك تؤكد كل ذلك ولا تترك للمهووسين بالتجربة الإيرانية مجالاً للدفاع عنها، فهي تظهر الشرطة الإيرانية وهم يطلقون مسيلات الدموع والرصاص على المتظاهرين، وتظهرهم وهم يعتدون بالضرب على بعضهم، وهي تبين كيف أن الأحوازيين تظاهروا عقب مقتل فتى عربي أحوازي عمره سبعة عشر عاماً برصاص الشرطة الإيرانية التي داهمت سوقاً شعبياً.
لن تتأخر الشرطة الإيرانية عن التبرير لما قامت به والدفاع عن نفسها بالطريقة ذاتها التي تعودت أن تبرر وتدافع بها عن نفسها، ولن تتأخر الحكومة الإيرانية عن قبول المبررات وستباركها ولعلها تكافئ الضابط الذي قتل ذلك الشاب والضابط الذي أمر بقمع المظاهرات «السلمية»، ولن يتأخر بالطبع المهووسون بالتجربة الإيرانية والقيادة في إيران هنا عن توفير كل المبررات والدفاع عما حدث بكل ما لديهم من قوة، أما الإعلام الإيراني فسيعتبر أن كل هذا من وحي خيال الذين لا يحبون إيران ويتخذون منها موقفاً ويريدون الإساءة إليها، ولهذا فإن أخباراً كهذه لا يمكن أن يجدها المتابعون في الإعلام الإيراني «حتى يلج الجمل في سم الخياط». بالتأكيد أيضاً فإن ما تقوم به الشرطة الإيرانية لا يعتبر تطاولاً على حقوق الإنسان، ففي إيران من ليس مع القيادة لا يعتبر إنساناً وبالتالي لا يمكن أن تكون له حقوق، أي أن ضربه وقمعه واعتقاله وحبسه وقتله حلال. كما أن خروج المواطنين وخصوصاً الآذريين والأحوازيين في مظاهرات تعتبره إيران تجاوزاً على الديمقراطية واستغلالاً سيئاً لهذه الأداة، ولعلها تعاقب المتشبثين بهذه المبادئ من باب أنهم لم يستوعبوا أنها مجرد شعارات «لزوم الشيء أعلاه»، أي أنها للاستهلاك والضحك على ذقون العالم.
هذا العالم الذي يشهد كل هذا ينبغي منه التفريق بين السلطة في إيران والشعب الإيراني، فالشعب بشكل عام مظلوم وهو يقوم بكل ما تجبره عليه السلطة خوفاً من العقاب وليس اقتناعاً ولا إيماناً، ولعل الوقت قد حان للتفكير في التدابير التي تعين على تحرير هذا الشعب المسكين من ربقة نظامه الذي لا يتردد عن رميه في أتون الحروب كلما شعر أنه يمكن أن يرفع صوته في وجهه ويقول «لا».
ليس عدلاً وقوف العالم مكتوف اليدين أمام مثل هذه التجاوزات وهذا الظلم الذي يعاني منه الشعب الإيراني من حكومة الملالي، وليس عدلاً السكوت عن الاعتداءات المتكررة على الأحوازيين والآذريين بشكل خاص والذين لا يسعون إلا إلى الحصول على حقوقهم المشروعة. تماماً مثلما أنه ليس عدلاً السكوت عن ممارسات الشرطة الإيرانية والتبرير لها ولحكومة الملالي والقول إنها إسلامية وتحكم بما أنزل الله.