أعمال الفوضى والتخريب التي تنفذ حالياً في بعض القرى والشوارع التي تتسبب في أذى الأبرياء وتعطيل حياة الناس وإزعاجهم تتم تحت عنوان الاحتجاج على إعدام المملكة العربية السعودية لمواطنها نمر النمر، لكنها في كل الأحوال كانت ستنفذ حتى لو لم يحدث هذا الأمر، ذلك أن قرار القيام بتلك الأعمال اتخذ قبل الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام، وأعلن عنه قبل بداية العام الميلادي الجديد. ما تغير هو إدخال شعارات جديدة تتعلق بالحدث الجديد أضيفت إلى الشعارات السابقة وتصدرتها، والهدف من كل هذا واضح هو زيادة شحن الآخرين بتصوير الأمر وكأنه انتقام من المنتمين إلى مذهب بعينه وأن الصراع طائفي بحت، وبالتالي صار لزاماً التحرك حماية للمذهب، أي أنه تم السعي لتوظيف حدث إعدام النمر ليخدم التوجه الأساس وهو شحن آخرين وتحريضهم على القيام بأعمال الفوضى والتخريب في ذكرى فبراير الذي نفذت فيه تلك القفزة المجنونة في الهواء وحرفت فيه المطالب المعيشية ورفع سقفها حتى وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام.
في يناير الماضي ويناير الأعوام الثلاثة السابقة له حدث الأمر نفسه، حيث كان يتم شحن الآخرين للخروج في مسيرات أياً كانت أعداد المشاركين فيها، وللتصادم مع رجال الأمن أياً كانت أسبابه بغية ضمان مشاركة العامة في أعمال الفوضى والتخريب التي تنطلق في الرابع عشر من فبراير، لذا كانت تتكرر كلمة «تمهيداً» في الأخبار التي يتم بثها عبر الفضائيات «السوسة» والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها كثيراً في عملية الشحن والتحريض. هذا يؤكد أن حدث إعدام النمر استغل ليدفع في الاتجاه نفسه، فهو عامل مساعد يستغله البعض لشحن العامة خصوصاً أنه تم التركيز على النمر على اعتبار أنه «رجل دين» وليس معارضاً سياسياً. وبما أن الاستجابة لطلب الخروج في مسيرة أو مظاهرة لتحقيق هدف سياسي تظل في كل الأحوال محدودة - خصوصاً بعد حالة الملل التي نتجت بسبب التكرار وطول المدة – لذا فإن المحرضين عليها اعتبروا خبر النمر فرصة للتغلب على هذا الأمر وشحن العامة بتصوير الموضوع وكأنه حرب ضد طائفة.
من هنا فإن المتوقع أن يستمر العمل على استغلال هذا الحدث طوال هذا الشهر والأسبوعين الأولين من الشهر المقبل، فمن دونه لا يضمن الساعون لعمل الفوضى في ذكرى فبراير مشاركة العدد المطلوب للقول إنهم مستمرون في ما بدؤوا به وحتى تحقيق مطالبهم ومآربهم.
لكن بما أن هذا التوجه غير صحيح وغير عادل لأنه يؤثر على حياة المواطنين والمقيمين ويسيء إلى العمل السياسي الذي من دونه لا يمكن التوصل إلى حل للمشكلة التي تسببوا فيها، لذا فإن الواجب على الجمعيات السياسية أن تتعاون على وضع حد لكل هذا وتكون سبباً في وقف أعمال الفوضى والتخريب التي لا ينتج عنها إلا الأذى ولا تعين إلا على تعقيد المشكلة. ليس صحيحاً أيضاً ولا عادلاً استمرار هذه الجمعيات في سلبيتها والسماح لمجموعات لا تمتلك خبرة العمل السياسي التحكم في الشارع وقيادته وفرض نفسها عليها وعلى الساحة، فما يقوم به هؤلاء لا يمكن أن ينتج إلا مزيداً من الألم ومزيداً من الفوضى.
لعل الوقت الآن مناسب أكثر لتتنادى الجمعيات السياسية فتعقد مؤتمراً تناقش فيه كل ما حدث وما يحدث وتعمل على توفير رؤية واضحة تتضمن خطة عمل لإيجاد حل نهائي لما جرى على هذه الأرض الطيبة، وألا تغفل عن أن تلك المجموعات لن تتوانى عن توظيف التطور المتمثل في قطع البحرين والسعودية ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في مزيد من الشحن والتحريض الطائفي، وهو ما سيزيد من تعقيد المشكلة.