بحرينية من أصل لبناني وزوجها بحريني من أصل لبناني، في البحرين لأكثر من ربع قرن، تزوجت وأنجبت أبناءها في البحرين، هي وزوجها يعملان في وظائف وأبناؤها في مدارس بحرينية وتقول «لا شأن لنا بالسياسة «لا هون ولا هونيك» لا في البحرين ولا في لبنان، فالسياسة هي من «خرب» بيتنا «إشارة للتصدعات اللبنانية الداخلية التي أجبرتهم على الاغتراب» أريد السلام وأريد فقط أن أخدم هذه الأرض التي أدين لها بالكثير»، وهذا حال كل اللبنانيين الذين يعيشون على هذه الأرض هنا.
تذكرتها وأنا أقرأ عن بعض اللبنانيين الموالين لحزب الله الذين أنهت الدول الخليجية إقامتهم.
تذكرت في الحال أصالة بعض اللبنانيين وولاءهم لهذه الأرض وخدمتهم لها على عكس من يدعي أنه مواطن «أصيل»، فما تقوم به هذه اللبنانية «بدون حكي» ودون أن تنطق بجملة واحدة سياسية، يقوم مقام وزارة إعلام وثقافة وسياحة في الترويج للبحرين، فهي بحكم وظيفتها مكلفة بمرافقة ضيوف مهمين على الصعيد الثقافي كتاباً وأدباء وإعلاميين وفنانين وساسة سابقين وأصحاب مناصب أممية عرباً وأجانب، يأتون للبحرين على مدار العام، وجميعهم مروا على «الدوز» أي جرعة الدواء ذاتها التي وضعتها هذه السيدة لجميع الضيوف وهو «دوز» ليس به شرح وكلام كثير، ويبدأ بجولة في الصباح الباكر بسوق جدحفص للخضروات والسمك.. نعم أكاد أسمع ما تقولون، لكنها تأخذهم معها وهي الخبيرة بأسعار الخضروات والسمك وتحمل سلتها الغذائية وتفاصل بالسعر ثم تملأ سلتها سمكاً وخضاراً ثم تطلب كوب شاي كرك و«ملة نخي وباجلة» وخبزاً حاراً من التنور من أحد المقاهي القريبة، وتنتهي الفقرة الأولى من الجولة السياحية بدهشة الزائر حين تخبره قيمة ما صرفته بالدولار، ليعرف أسعار الغذاء في البحرين مقارنة بجميع الدول التي زارها هذا الفنان أو الكاتب أو الإعلامي، وتنتقل به الجولة إلى القسم الثاني منها بزيارة المركز الصحي في جدحفص تأخذه بجولة داخله يرى عدد غرف الأطباء وكم ممرضة بالداخل وتمر به على الصيدلية ويرى طابور المرضى وهم يستلمون الدواء وتشير له بأسماء الأدوية التي تعرفها وتعرف أسعارها بالدولار لأنها تشتريها لوالدتها التي مازالت في لبنان، وبعد ذلك تشير له لغرفة الأشعة والمختبرات وتخبره بأسعار هذه الخدمات بالدولار في لبنان، ثم تنتهي الجولة بعلامة تعجب حين تخبره أن كل تلك الخدمات مجانية في البحرين، وحين يفيق من الصدمة تخبره أن هذه جولة ما هي إلا في مركز للصحة الوقائية لا العلاجية، أما العلاجية كمستشفى السلمانية فهي لا تعرف أسعار أو كلفة الخدمات العلاجية كلها لكنها تعرف أسعار العمليات الخاصة بالقلب لأن والدتها أجرت هذه العملية في لبنان، أما في البحرين فتجرى عمليات القسطرة على سبيل المثال لا الحصر وتكلف الواحدة ما يقارب 12 ألف دولار لكن البحريني لا يدفع فلساً واحداً منها، بل وللأجنبي أيضاً بالمجان إن دخل المستشفى عن طريق الطوارئ وبلا تأمين من شركات تعوض الدولة «يقول لي جراح قلب أحياناً يجري أربع أو خمس عمليات لعمال أجانب في اليوم الواحد».
نعود لسيدتنا التي لا علاقة لها بالسياسة «لا هون ولا هونيك» لتكمل الجزء الثالث من «دوزها» بالمرور على الوحدات الإسكانية الجديدة ذات اللون الأزرق والأبيض وأرصفتها النظيفة في السنابس وتخبره أن هذه هي بيوت الإسكان الحكومية لذوي الدخل المحدود، صحيح أنها تتأخر في تسليمهم لكنها مخصصة لذوي الدخل المحدود ويدفعون ثمنها بالأقساط وعلى مدى يزيد عن العشرين عاماً، فيسألها الضيف «لكنها ليست شققاً؟ عادة هذه الخدمات الرعائية لأصحاب الضمانات الاجتماعية تكون في أضيق الحدود»، تجيب السيدة ربما في دول أخرى ولكن ليس في البحرين، فحتى الوحدات السكنية التي تصنف كشقق فإن كثيراً منها مساحتها تكاد تعادل مساحة الفلل.
وتزداد الدهشة لدى الزائر الذي يختم جولته بزيارة لمحل صغير يملكه شاب بحريني يبيع به «الجاكت بتيتو» تضطر أن تقف فيه طابوراً لتنتظر دورك، وتترك الشاب يحكي قصة نجاحه للضيف وكيف ترك وظيفته وتفرغ لمشروعه بعد أن منحه بنك التنمية قرضاً ميسراً ومنحته تمكين 80% من قيمة المعدات والمكائن، ودخله الآن يعادل دخله في وظيفته السابقة أربع مرات.
وتكاد الشمس تشرف على المغيب حين تعود السيدة بضيفها لفندقه استعداداً لأمسيته الشعرية أو الروائية وهو محمل بكل علامات الدهشة، سائلاً إذا كان هذا ما تقدمه الدولة لمواطنيها فما الذي نسمعه في الخارج؟ ترد السيدة لا أدري ما تسمعون لكنني لا أحكي بالسياسة «لا هون ولا هونيك».
هذه لبنانية.. لكنها بحرينية من قلب، جملة لا يعرف تركيبتها إلا من عشق هذه الأرض عشقاً يغني دون أن يحكي.