إلى وقت قريب كنا نسأل من هم أصحاب المدرسة السياسية القديمة في السياسة الخارجية؟ فقيل من يرى المؤامرة في كل شيء، ويرفض الحداثة والمعاصرة ويتشكك في العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية ويرفض ويغلق الباب على التعاون المبني على المصلحة المشتركة، ولا يستجيب للنصائح الأمريكية ولتوصيات تقاريرها، هؤلاء هم أبناء المدرسة القديمة الذين يخشون أمريكا لأنهم لا يجيدون لغتها ولم يعيشوا فيها ولا يعرفون جمال الحياة هناك وبساطتها وسحرها، وعكس هؤلاء بالطبع هم من المدرسة الجديدة «نيو سكول»، المنفتحون على الوصايا الأمريكية، في اختيار ما يناسبنا وما هو أصلح للأنظمة وللشعوب الذين يبذلون قصارى جهدهم ألا يغادر مسؤول أمريكي ديارنا إلا وهو راضٍ عنا وعن إصلاحاتنا.
لأصحاب هذه النظرة الذين ذهب اهتمامهم لما كشفت عنه الوثائق الأمريكية من مراسلات بين الخميني والأمريكان للشعب الإيراني ولمريدي الخميني وأتباعهم ووكلائهم ولجماعة «الولي الفقيه»، فطرحوا التساؤلات على هذا الجمهور خاصة العربي منه، كيف تتبعون وتصدقون وتؤمنون «بعصمة» إمام كاذب ضحك عليكم، وقال لكم «الموت لأمريكا»، وهو الذي تراسل معهم واتفق معهم على إطلاق هذا الشعار فأخفى ما شاء وروج ما شاء، ونام في حضن أعدائه وتقاسم بينهم الفراش؟
لهؤلاء نوجه السؤال، لمريدي الولايات المتحدة الأمريكية، ومعجبيها والمؤمنين بحداثتها وعصريتها وعنايتها بالديمقراطية، نوجه ذات السؤال هل مازال أي منكم يؤمن أن أحداً من هؤلاء الساسة الذين وصلوا للبيت الأبيض، هو أو إدارته، من أي الحزبين، سواء كان الجمهوري أو الديمقراطي هل مازال أحد منكم يصدقهم وهم الذين اتفقوا مع الخميني حتى على شعار «الموت لأمريكا»؟
هل مازال أحد منكم يصدق أنهم معنيون حقاً بنشر الديمقراطية أو أنهم حريصون على حقوق الإنسان؟ هل مازالت لهم رهبة أو هيبة أو الإعجاب بأمريكا موجودة في نفوسكم؟ هل إرضاؤهم مازال غايتكم؟ هل غضبهم مازال يخيفكم؟ فإذا زرتموهم أو زاروكم انفرجت أساريركم ورأينا صفاً من أسنانكم لا نراها إلا معهم؟
أبعد هذه الوثائق التي كشفت أنه طوال السنوات السابقة كذبوا علينا وعليكم واستغفلونا واستغفلوكم وخططوا للإطاحة بدولنا وبإسقاط أنظمتكم وتسريح الجيوش وترك الشعوب عرضة للنهب والاغتصاب من قبل الحليف الجديد الذي خطط معهم لاقتسام المنطقة المنهوبة، هل مازلتم معجبين بهم وبأسلوبهم وبلكنتهم ورضاهم غايتكم؟
ألم تكتشفوا أنه في الوقت الذي كانت تصريحاتهم تشيد بكم وتصفق لكم وتعتبركم قادة معاصرين ديمقراطيين ليبراليين أخفوا عنكم مراسلاتهم واتفاقهم مع أكبر دولة ثيوقراطية في العالم عليكم؟
إنهم لم يكذبوا عليكم فحسب، بل كذبوا على شعوبهم، هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية بحزبيها إلا ما رحم، هكذا يجب أن نراهم ونتعامل معهم، فلا تعنينا تقاريرهم ولا تهزنا تصريحاتهم ولا تهمنا آراؤهم، ولا نخرق قانوننا أو نهزأ بقضائنا من أجل عيونهم، بل نسير وفق مصالحنا نحن فقط، دون أدنى اعتبار لمن يكذب بهذه الصفاقة علينا مستهزئاً بوعينا وبإدراكنا.
وإن كان على الابتسامات والدبلوماسية في الحديث وفي اللقاءات مع مسؤوليهم، إن زارونا وإن زرناهم، فنحن معلمو الدبلوماسية وبراءة الاختراع لنا.. فلا بأس بها من سياسة.
فإن ظل منكم من ينتظر رضا أو إعجاباً أو تصريحاً يمدحنا أو تقريراً ينصفنا منهم، أو لبى لهم طلباتهم وصدق أنها طلبات بدواعٍ إنسانية، فاسمحوا لي هو واهم ساذج لن يصحو من غيبوبته بعد، هذه النصيحة لا تأتي من مدارس للسياسة الخارجية قديمة «أولد سكول» لا ترى المستجدات والمتغيرات العصرية، بل هي نصيحة من أحدث المستجدات وأكثرها معاصرة، إنها هي المدرسة الجديدة هي التي يجب أن تعتبر «The New School» التي أسست عام 2011.