الموضة الجديدة التي تطغى هذه الأيام على التصريحات والأحاديث غير الرسمية لكثير من المسؤولين والتي تعنى بالناس، تصف جموع الناس، وتصف الشعب بأنه «متحلطم»!
سمعتها شخصياً من بعض المسؤولين، واستغربت في الوقت نفسه من «إزدواجية الشخصية» فيهم، فبعضهم يحاول أن يهمس لك بهذا الكلام، ليبين لك بأن هؤلاء البشر «لا يعجبهم العجب»، وأن نزعة التذمر متأصلة فيهم، وأن التحلطم مزروع بداخل شخصياتهم، في مقابل ذلك، وفي «الشو الإعلامي» عبر الصحافة والإعلام، تجد تصريحاته كلها معنية بالمواطن، وأنه من أجل الناس يعمل.
بعض هؤلاء المسؤولين يبرر النقد الموجه لأدائه في قطاعه، بأن الناس هم الذين يبالغون، هم الذين «لا يرون» الحقيقة، هم الذين على عيونهم غشاوة، والسبب أنهم أصبحوا متحلطمين، ولا يعرفون شيئاً غير التحلطم.
المصيبة في مثل هذا الكلام، أن في جانب منه نوعاً من الصحة، ولو أن سياق الكلام ومضمونه والهدف منه، يأتي بأسلوب «الحق الذي يراد به باطل»، خاصة من قبل بعض المسؤولين «عديمي النفع» إلا بالتصريحات، باعتبار أفعالهم لا تخدم الدولة بقدر ما تضرها إثر سوء العمل ورداءة الإنتاج والتردي في العمل الإداري.
جانب الصحة فيه يرتبط بأعداد كبيرة من الناس بالفعل سقطوا ضحايا للتحلطم والتذمر، كصفات أصبحت سمات بارزة فيهم.
نحن نعيش في مجتمع صغير قياساً بالدول الأخرى، بالتالي معرفة الشخص لأناس عديدين أمر مسلم به، وبسهولة في البحرين يمكن للأفراد أن يشتهروا ويعرفوا، حتى وإن لم يكونوا أصحاب مهنة تشهرهم، أو أهل سياسة أو صحافة أو فن، حتى في المجالس هناك من يعرفه أهل الزلاق وهو من المحرق وغيرها.
الفكرة هنا، بأن هناك بعض الأشخاص برزوا كرموز مجتمعية، كأناس إيجابيين ملهمين للآخرين، وفي المقابل هناك من اشتهر بأنه مصدر إشعاع للسلبية ورمز من رموز التذمر وبث الطاقة وشعور الاستياء بين الناس.
التحلطم ليست صفة تولد مع الإنسان، والتذمر ليست حالة مرضية سببها الجينات والخلايا، بل هي صفات مكتسبة، أو بالأصح أطباع يتطبع بها أصحابها.
أصف هذه الأطباع أحياناً، بأنها مثل المرض الذي من الصعوبة معالجته لقلة وشحّ الأدوية التي تتعامل معه، أو في تصوير آخر، بأنها مثل الأشياء التي يدمن عليها الإنسان، ولا يمكنه التخلص منها إلا عبر معاناة، مثل التدخين على سبيل المثال، والذي يعاني منه أصحابه بسبب تغلغل «النيكوتين» في الدم.
ومثل هذا هي أطباع «التحلطم» و»التذمر»، كلما تركت لها مجالاً وفرصة لتأخذ منك طغت على حياتك، وحولتك لشخص ينفر منه الناس.
والله في الآونة الأخيرة أخذت على نفسي عهداً بأن أبتعد عن كل شخص حديثه يجعلني أنسى كيف أبتسم أو أفرح، كل شخص حديثه دائماً مليء بالسلبية والتذمر والشعور بالغبن والمظلومية، بينما واقعه يبين لك بأنه لا يعاني من كل ذلك، بل هو يشعر به في عقله الباطني، وجعل ذلك ديدنه، والفكر الذي يجول في مخيلته، وعليه بات لا يعرف عيش حياته إلا عبر التذمر، والمصيبة في تحوله لما يشابه «الفيروس المتحرك»، الذي لا يريد أن يتحلطم ويتذمر مع نفسه، بل يبحث عن الآخرين ليحولهم لأشخاص متذمرين متشائمين كارهين للحياة برمتها مثله.
بالتالي، الشخص عليه أن يسأل نفسه، هل هو إنسان متحلطم؟! هل هو إنسان عندما يرى أي شيء أمامه، يحاول أن يبحث فيه عن النواقص والسلبيات، أم يحاول أن يرى الجمال فيه والإيجابيات المعنية به؟!
هناك من الأشخاص الذين طغت هذه الأمور السلبية على طبيعتهم، وصلوا لمرحلة لو عرضت لهم وردة وطلبت منهم وصفها، فإن أول ما سيصفونه «شوكها»، ولربما لا يصفون شيئاً آخر، لن يصفوا شكلها الجميل، ولا رائحتها العطرية.
هؤلاء أصحاب «النظارات» أو «العدسات» السوداء، الذين مهما فعلوا لن يستطيعوا رؤية الدنيا بإيجابية، لن يستطيعوا أن يعيشوا حياتهم بسعادة، لأنهم يغلبون الجوانب السلبية فيها على الأخرى الإيجابية، والمشكلة أنهم يريدون لبقية العالم بأن ينظروا للدنيا بنفس العدسات السوداء التي يرتدونها، وفي النهاية معادلتهم الثابتة تكون بـ «إما أن تكونوا متحلطمين مثلي.. أو أنكم لا تملكون إحساساً، ولا ضميراً»!
عافانا الله وإياكم من السلبية والتحلطم والتذمر، فما هي إلا آفات «تقصر عمر» الشخص، وتحول الجميل في عينيه لقبيح، وتنفر الناس منه، وتجعل منه رمزاً للتعاسة.