في نوفمبر 2015 قرر سباح إسباني مشهور أن يقضي إجازته قرب جزيرة لاس اليونانية لإنقاذ المهاجرين من الغرق.
جاء الموقف بعد حادثة مؤثرة تعرض لها السباح حينما شاهد قارباً خشبياً قلبته أمواج البحر ووجد نفسه يسبح وسط 300 شخص غارقين وحاول جاهداً أن ينقذ من يستطيع منهم وسط جثث عائمة في لحظات عصيبة جعلته بعد عودته إلى منزله يبكي كما الأطفال من هول ما رأى!
هذا الموقف جعله يرى الوجه الآخر للحياة، وجه الموت وهو يتواجه معه وسط أمواج البحر ويراه كيف يخطف الأرواح في دقيقة ويصرعها، وأمام الكثير من المشاعر الإنسانية لحظتها دفعه الموقف لأن يتعلم من هذه التجربة كيف يسخر وقته في مساعدة الآخرين واستغلال مهاراته وما وهبه الله من مواهب في السباحة من خلال إنقاذ الآخرين، في تحويل النعمة إلى طاقة إيجابية وقوة تستغل في خدمة الناس والبشرية!
سخر هذا السباح 15 يوماً وهي مدة إجازته على جزيرة لسبوس اليونانية التي تعتبر وجهه المهاجرين غير الشرعيين من تركيا لدخول أوروبا، ترجمته لمعنى الإجازة أنها تكون من التحرر من روتين الوظيفة للعمل في وظيفة إنسانية أخرى، إجازة من العمل عند الآخرين إلى العمل لأجل الآخرين وقبلها لنفسه ولحياته!
وحتى عندما أطلقت الصحافة الإسبانية عليه لقب البطل رفضه، ولم يتجاوب مع ما كتب عنه بل «لم تغره الأضواء ووجاهه ما يفعله»، فهو يعمل بهدوء لأكثر من سبع سنوات في هذا المجال، وقال إنه «ليس بطلاً، بل الأبطال هم السوريون والأفغان والعراقيون والهاربون من الحرب لأنهم استطاعوا اجتياز البحر في رحلة برية شاقة للوصول إلى أوروبا!».
هذا السباح استمر في عمله مع مجموعة من المنقذين الإسبان لرصد القوارب غير الشرعية القادمة من بعيد لإنقاذ القادمين عليها في حال غرق مراكبهم فنسب الموت غرقاً مرتفعة بشكل كبير، وهذا السباح لم تبارح خياله صور الأطفال الأربعة الذين ماتوا غرقاً وطالع صورهم منشورة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب ساعات الموت التي عايشها في حادثته القديمة والتي شكلت حافزاً بداخله لأن يستمر كل هذه السنين.
نكاد نجزم أنه لو سأله أحدهم: أليس لك حق في الترفيه والراحة النفسية قبل البدنية وأن يكون هناك وقت خاص لنفسك فقط لكان جوابه: «راحتي وسعادتي عندما أقضي وقتي في خدمة الآخرين ومساعدتهم وهذه أجمل إجازة، لم آت للحياة عبثاً إنما جئت لغاية وهدف ولأجل أن أكون إنساناً فاعلاً لا مجرد رقم لا معنى له «رغم أنه ومن معه غير مسلمين ولم يطالعوا ما أمرنا به ديننا الحنيف ولا منهجيته القائمة بالأصل على هذا الكلام وعلى الإنسانية!».
في شهر رمضان، من المعروف أن كثيراً من المسلمين يأخذون إجازة سنوية للراحة ويمددونها إلى أيام العيد، لدينا في سوريا التي يباد شعبها ووسط الحروب والدمار والبراميل المتفجرة التي تقتطف حياة الأطفال والصغار قبل الكبار، أطباء صائمون هناك يجابهون الموت ويتحدونه بل ويصارعونه، يفطرون كما طالعتنا صور الوكالات وهم في وسط غرف العمليات أثناء تأديتهم واجبهم في إنقاذ حياة السوريين! جل ما يشغلهم كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى وإن اضطر لأن يكون طيلة يومه واقفاً على قدميه ويتناول كوباً من الماء وبضع تمرات!
على الحدود السعودية اليمنية لدينا جنود أبطال يرابطون في «إعادة الأمل»، وسط الحر الشديد وهم صائمون للدفاع عن شرعية الخليج، يجلسون بالساعات الطويلة للحراسة وتأمين الحدود ويعملون في مهمات شاقة وأعمال تحتاج لطاقات بدنية عالية.
عندما نأتي إلى حال المسلمين في بلادنا العربية ونتصفح يوميات إجازاتهم من النادر جداً أن نرى أحدهم أخذه التفكير إلى هذا المنحنى. إن الإجازة الحقيقيه عندما تشعر خلالها بتفجير طاقاتك الإنسانية الإيجابية والشعور بكل لحظاتها وأيامها، الترفيه جميل ولكن ما أجمل أن يكون الترفيه الإنساني حاضراً فيها، لم يفكر أحد وهو يعد العدة للسفر أن هناك سفراً أبدياً خالداً فهل أعد العدة له؟ الأجانب باتوا يدركون أن الحياة رحلة وجسر للمرور إلى أجمل المعاني الإنسانية فيما المسلمون بعيدون للأسف عن هذه المعاني.