بعد صدور الحكم بحل جمعية الوفاق ومصادرة أموالها وما نتج عنه من تعطيل لنشاطها وصعوبة تحركها خارج الإطار القانوني الذي كان يحكمها وتستند إليه وتحتمي به، صار من الطبيعي التساؤل عما إذا كانت الجمعيات السياسية اليسارية - وعلى الخصوص جمعيتا وعد والمنبر التقدمي - ستتمكن من ملء الفراغ الذي حصل في وقت تدرك فيه جيداً ويعرف الجميع أنها لا ترتكن إلى قاعدة جماهيرية بل لا يتوفر لديها الأعضاء الذين يمكن أن يستجيبوا لها في كل ساعة وحين كما كان حال الوفاق مع أعضائها وجمهورها، فإذا أضيف إلى كل هذا عدم توفر «مرجع ديني» لهذه الجمعيات يعينها على زيادة قاعدتها الجماهيرية وتحريك جمهورها لذا فإن السؤال المطروح يفرض نفسه بقوة، وهل يمكن بعد هذا إطلاق تسمية «المعارضة» على هذه الجمعيات؟ هل يمكن أن تصير «معارضة» مؤثرة في وقت تفتقر فيه إلى الجمهور الذي يمدها بإكسير الحياة؟ أليس غياب الجمهور عنها يقلل من شأنها ويحرمها من الاستفادة من كثير من الأدوات المتاحة للتعبير عن المواقف كالتظاهر والإضراب والاعتصام وغيرها؟ هل ستكتفي بإصدار البيانات؟ وما قيمة البيانات إن لم تكن قادرة على تشكيل موقف جماهيري من أي قضية؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير لا بد أنها تشغل بال القائمين على هذه الجمعيات أيضاً، والغالب أنها عقدت العديد من الاجتماعات لمناقشة هذا الأمر والبحث عن مخرج مناسب، فعدم تمكنها من التأثير وملء الفراغ الحاصل بعد عين الوفاق يعني أنها ستتحول بعد قليل إلى جمعيات نفع عام لا علاقة لها بالعمل السياسي، ويعني أنها ستفقد جزءاً كبيراً ومهماً من تاريخها النضالي، إن لم تخسره كله.
اليوم تعاني هذه الجمعيات من مشكلة كبيرة يمكن تصويرها بأنها تبدو وكأنها معلقة في الهواء، فلا هي متصلة بالجماهير التي يمكن أن تستند إليها لتحميها من التفتت ولا هي قادرة على التواصل مع الدولة ومن بيده القرار فيصير لها إسهاماً في حل المشكلة المستمرة منذ ست سنوات، وبالتأكيد فإن جمهور الوفاق لا يمكن أن يتقبل من جمعيات يعتبرها غير ملتزمة بالدين وقد يعتبرها في داخله أقرب إلى الكفر. وفي المحصلة تشعر هذه الجمعيات أنها صارت دون القدرة على تقديم مفيد للناس، فإذا أضيف إلى كل هذا الحساسيات التي لا تزال مؤثرة في العلاقة بين بعضها البعض وخصوصاً بين جمعيتي وعد الآتية من «الجبهة الشعبية» والمنبر التقدمي الآتية من «جبهة التحرير» والناتج عن اختلاف الرؤى والارتباط الفكري والعقائدي منذ عقود فإن الطبيعي والمتوقع هو تعطل كل قرار يمكن أن ينفعها وينفع الناس «لعل البعض لاحظ التنابز الذي حصل مؤخراً بين اثنين من الأساسيين في المنبر التقدمي أحدهما يقيم في الخارج والآخر قيادي واللذين دخلا في مواجهة بالمقالات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي» ما يؤكد أن التفاهم بين المنتمين إلى هذه الجمعيات التي يفترض أن تشغل الفراغ الناتج عن غياب الوفاق صعب وأن الخلافات والاختلافات في وجهات النظر بينها تجعلها بعيدة عن الجمهور الذي يبحث عن «معارضة» يثق بها وتستطيع أن تنتشله مما صار فيه وصار يتضرر منه.
لعل الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الجمعيات المحسوبة على اليسار في هذه المرحلة وبه تحافظ على تاريخها وإرثها هو العمل على تقريب وجهات النظر وطرح نفسها كوسيط وصاحب مساع حميدة، فتتواصل مع «فلول» الوفاق والحركات الأخرى بغض النظر عن مسمياتها ومحاولة إقناعها بأهمية التوصل إلى نهاية للمشكلة، وتتواصل مع الجهات الأخرى بما فيها الحكومة لتقريب وجهات النظر أولاً ولإيجاد حل نهائي للمشكلة. بغير هذا ينتهي عهد الجمعيات السياسية المحسوبة على اليسار.