كتبت العنوان أعلاه بهذه الصيغة بهدف تبسيط الفكرة، ووضعها في سياق يفهم سريعاً.
فعلى غرار البرامج الإعلامية الشهيرة سواء في الإعلام المرئي أو المسموع وفي حالات بسيطة منه المقروء، فإن هناك برامج تقدم تحت عناوين مشابهة مثل «ما يطلبه المشاهدون» أو «ما يطلبه المستمعون» أو «ما يطلبه القراء».
الفكرة في تلك البرامج قائمة على كونها -أي البرامج- مبنية على الشريحة المستهدفة، أو بعبارة أبسط على الجمهور المعني بها.
أي أن في البرامج الإعلامية تقدم المادة المعروضة بحسب ما يطلبه الجمهور المعني بها، وبدون طلبات الجمهور فإن البرنامج لا أساس له، بل لا وجود له.
مثل ذلك حال الصحافة، إن لم تكن معنية بالناس وتنشر ما يهمهم وتوصل أصواتهم، فإنها بالتالي لا تكون قريبة منهم، وعليه فإن الحال تجاهها العزوف والتجاهل.
وعلى مثل هذا القياس فإن العمل الحكومي وحراك القطاعات الرسمية، إن لم يكن مرتبطاً بالمواطن، وقائماً على «ما يطلبه المواطنون»، فإن استحسان هذا العمل والحراك لن يوجد، ورضا المواطنين لن يدرك، والإشادة والارتياح بهذه الجهود لن يتحصل.
نحن نكرر هذا الكلام من منطلق كونه مبدأ أساسياً وأثيراً في تركيبة العمل الحكومي، إذ الهدف من كل العمليات يفترض أن يكون موجهاً لخدمة الوطن والمواطن، وعليه المواطن البحريني اليوم هو العميل الأول لدى كل القطاعات، وقياس النجاحات يكون مرتبطاً بنسبة الرضا التي يعبر عنها الناس.
أقول «ما يطلبه المواطنون» هو المبدأ الثابت، الذي يجب أن يضعه المسؤولون في بداية عمليات التخطيط ورسم الاستراتيجيات المعنية بالعمل، لا أن ترسم السياسات بمعزل عن الناس، وأن تغفل أهمية تحقيق طموحاتهم ورغباتهم.
الذكاء في الإدارة يكمن في العمل بأسلوب ذكي يستقطب رضا العميل، فلا حراك مؤثراً وهاماً ذاك الذي يكون بعيداً عن طموحات المواطنين، ولمعرفة ما إذا كانت البوصلة في اتجاه صحيح أو خاطئ في قياس نسبة الرضا لدى الناس هو المقياس الأول في عمليات التقييم.
لذلك فإن مهمة المسؤولين في القطاعات يجب أن تكون أولاً على وضع المواطن في الاعتبار، وأن يكون الشعار «المواطن أولاً» منطلقاً لكل العمليات ولكل الحراك، والأهم أن يدرك الموظفون في هذه القطاعات أنهم يعملون لأجل ماذا ولمن؟!
هل فكرنا يوماً لماذا سمي ديوان الخدمة المدنية بهذا الاسم؟! سؤال يستوجب التوقف عنده والبحث عن إجابته، والتي هي أصلاً تكمن في اسم القطاع.
«الخدمة المدنية»، تعني أن الموظفين العاملين تحت مظلة الديوان هم «يخدمون» العمل العام، من خلال الأداء في قطاعاتهم، والتي أكثرها قطاعات خدمية هدفها تحقيق الرضا لدى المواطن.
في بعض الدول يكون هناك تباهٍ وزهو بترتيبها في السلم العالمي لـ»مؤشر السعادة»، وهو المؤشر الذي تبنى أرقامه على نسب الرضا لدى المواطنين تجاه الخدمات المقدمة والحراك الحكومي الملموس.
لذا بات العالم يقيس نجاحات الحراك الحكومي بنسبة ارتفاع هذا المؤشر، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن تراجع الأرقام يعني تراجع الأداء أو عدم ارتقائه لمستويات الطموح.
بعض المسؤولين هداهم الله يلومون الصحافة وما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي ومن يحركون قوى المجتمع، باعتبار أنهم يرون «الناس» في منزلة الفئة «المتحلطمة» التي لا يعجبها العجب.
وللأمانة نقول بأن لدينا بالفعل هذه الظاهرة، ظاهرة «المواطن المتحلطم»، لكن المحك هنا يكمن في معرفة مسبباتها، والتي بكل أمانة نقول هي ليست معنية بالمواطن نفسه، بل معنية بالإجابة على السؤال التالي «من أوصل المواطن لهذه الحالة»؟!
أرجع وأقول بأنه لو وضعنا المواطن فعلاً في مقدمة تفكيرنا حينما نخطط ونرسم السياسات فإننا بالتالي نساهم في تقليل هذه الظاهرة، وإبدالها بمستويات متفاوتة من الرضا، والعمل بهذه الروح والبناء عليها عبر تراكمات إيجابية لإنجازات القطاعات الحكومية لن يوصلنا إلا لنتيجة طيبة تنعكس إيجاباً على ردود فعل المواطن.
ولهذا نقول بأن المسؤول الذكي هو الذي يبني سياسته واستراتيجيته وحراك قطاعه على استقراء أفكار الناس وآرائهم وطبعاً مطالبهم، لا يعني ذلك أن يكون مسيراً بحسب مزاج الشارع، حتى لو كان هذا المزاج بعيداً عن الواقع، بل العكس، عليه أن يقود الحراك المجتمعي بشكل إيجابي وذلك عبر ممارسات ذكية تنظر باهتمام لمطالب الناس، وتوظف الإمكانيات والموارد المتاحة لتحقق ولو بعض مطالبهم.
أي استراتيجية ترسم بمعزل عن دراسة مطالب المواطنين واستقراء طموحات الشارع، هي استراتيجية لن تكون ناجحة لأنها ليست واقعية، حتى وإن كانت مكتوبة بحرفنة ومطرزة بتسويق جميل، إذ هي ستظل على الورق فقط.