في ظل الأحداث التي شهدها النصف الأول من عام 2016 من حروب وحوادث إرهابية، وما ترتب عليها من زحف الهجرة واللجوء، وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين من بلدان الجنوب الفقير إلى بلدان الشمال الغني، وما يعانيه العالم أجمع من آثار سلبية لهذه الأحداث، وعلى الرغم من قدم مفهوم وممارسة التعددية الثقافية، يرى بعض الباحثين أن الإمبراطوريتين الرومانية والعثمانية نموذجان تاريخيان لمجتمعات أو دول قائمة على التعددية الثقافية، ثم ما لبث أن اتخذ مفهوم التعددية الثقافية بعداً أيديولوجياً وسياسياً وحقوقياً، وخصوصاً في ميثاق الأمم المتحدة بتأكيد حق تقرير المصير، واعتباره حقاً للشعوب والأمم، وخصوصاً تلك التي تسعى لتحقق الانعتاق والاستقلال، وهو حق ملزم وغير قابل للتصرف. وكان إعلان تصفية الكولونيالية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 لعام 1960 ذكره، مثلما أدرج في العهدين الدوليين: الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادران في عام 1966. كما تم التأكيد على احترام حقوق ما سمي بالأقليات، وهو الذي استند إليه إعلان حقوق الأقليات الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1992، وكذلك إعلان حقوق الشعوب الأصلية الصادر في عام 2007، وإن بقي مفهوم الأقليات يستحمل معنى الاستتباع إزاء مفهوم الأغلبيات ويستبطن عدم التكافؤ والمساواة، الذي تعنيه الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ومثل هذا الفهم لا يرتقي بالطبع إلى مفهوم التعددية الثقافية، التي تستند إليها الدول العصرية والمبادئ الدستورية والمواطنة المتساوية، حتى وإن جرى تفسيرها على نحو مختلف ومتعارض، كما تجري هذه الأيام ارتباطاً بمأساة اللاجئين.
فقد توجه مئات من البشر إلى أوروبا بصفة لاجئين، قادمين من ثقافات مختلفة جذرياً عن الثقافة الغربية السائدة، ما أدى إلى تصدي العديد من الحركات اليمينية والعنصرية والمتعصبة لهم في الغرب، والتي ازدادت وتيرة تطرفها ومناوءتها للاجئين وللهجرة، مبررين بحجة الحفاظ على علمانية الدولة، من ناحية، وعدم تعريض الثقافة الليبرالية وقيمها لخطر التدين أو الأسلمة وخصوصاً أن القسم الأعظم من المهاجرين هم من الدول العربية والإسلامية، من ناحية أخرى، أو بحجة عدم رغبة اللاجئين في الاندماج أو التحذير من الإرهاب الدولي.
يسوق المعارضون للاجئين العديد من الحجج، إلا أنهم تناسوا عدم قدرة أحد على وقف حركة انتقال الأفراد من مجتمع إلى آخر، وخصوصاً في ظل العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات، فضلاً عن التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري داخل المجتمعات، والتي لم يعرفها التاريخ البشري من قبل.
لقد نجحت العديد من الجهود التي بذلت في الغرب في العصر الحديث إذ كانت الدول تقر التنوع في الأديان والأعراق والثقافات على أساس المواطنة واحترام الاختلافات بين البشر، مما سهل عملية الانتقال من مجتمع لآخر، وهو ما ترتب عليه من عمليات إدماج المهاجرين مع إرثهم الثقافي، خاصة في بريطانيا والدول الإنجلوسكسونية، أما فرنسا فقد اعتمدت على استراتيجية أخرى تضمنت صهر المهاجرين في بوتقة الدولة والمجتمع وقيمهما.
ومن المعلوم أن الحركات المناهضة للاجئين لم تكن وليدة اللحظة، وإنما ترجع إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، خاصة طرح الباحث والفيلسوف يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما في كتابه «نظرية نهاية التاريخ» أن التحدي الكبير الذي تواجهه الديمقراطيات الغربية يتمثل في الخطر الإرهابي واللاجئين، الذين يتعذر دمجهم، وهم في غالبيتهم من الدول الإسلامية. ودعا فوكوياما إلى تجاوز مفهوم التعددية الثقافية للجماعات واختزاله إلى العلاقة بالأفراد وحقوقهم، طالما أن بعض الجماعات ترفض القيم الغربية الليبرالية التي ينبغي التمسك بها، طبقاً للتجانس والتماسك الاجتماعي المشترك.
إن ما يعانيه اليوم اللاجئون من إجراءات وهجوم ومعاملة قاسية ضدهم إنما يضرب التعددية الثقافية في مقتل خصوصاً في الغرب الذي كان كثيراً ما يدعو ويروج لها.