سيادة الرئيس دونالد ترامب:
نبارك لكم ولحزبكم الجمهوري فوزكم بكرسي الرئاسة للولايات المتحدة الأمريكية، ومثلما فوجئ العالم بأسره بفوزكم غير المتوقع فقد فوجئنا هنا كذلك في الخليج العربي كمواطنين بفوزكم، لكنها هي الديمقراطية وخيار الشعب الأمريكي الذي نكن له ولممارسته كل التقدير والاحترام..
سيادة الرئيس:
كنا نراقب بحذر طيلة فترة حملتكم الانتخابية تصريحاتكم وبالأخص فيما يتعلق منها بمواقفكم المعلنة من العالم الإسلامي والعربي، والتي كانت بمجملها استفزازية وتأكيدكم المتكرر في رسم علاقة جديدة مع الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص. وكذلك سمعنا اعتراضكم على الاتفاقية النووية التي توصل إليها سلفكم باراك أوباما وإدارته مع إيران وآراءكم في الكثير من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط.
ونعلم يقينا سيادة الرئيس أن الكثير من تصريحاتكم وتهديداتكم ووعودكم كانت جلها لأغراض انتخابية، لا يعول على الكثير منها، وقد لا تجد طريقها للبيت البيضاوي بعد هدوء عصف الانتخابات.
أما اليوم وبعد فوزكم ووصولكم لسدة الحكم فإننا وكما نتمنى الازدهار والاستقرار للشعب الأمريكي خلال فترة رئاستكم، كذلك يحدونا الأمل أن تتفهم إدارتكم الموقرة وحزبكم الجمهوري ما تعانيه المنطقة العربية من اضطرابات بسبب سياسة من سبقكم من ساسة البيت الأبيض، ديمقراطيين أو جمهوريين، من الانحياز المتعمد إلى الكيان الصهيوني، وكذلك تمكين إيران مؤخراً من فرض مشروعها وتمددها خارج حدودها، وبعد فرية أسلافكم «أسلحة الدمار الشامل»، واحتلالكم العراق دون مسوغ شرعي وقانوني، ومن ثم السماح لها بابتلاع العراق ثم إطلاق يدها والتغافل عن جرائمها وميليشياتها مما أدخل المنطقة في دوامة عنف وحرائق متلاحقة خلفت عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين واللاجئين وحول العراق بسببها مركز استقطاب وحاضنة وولادة للإرهاب.
ولكونكم سيادة الرئيس رجل أعمال متميز واقتصادي من الطراز الأول، فما نتوقعه وما سنشهده هو ربما حقبة اقتصادية تنتشل العالم من التردي الاقتصادي، ونأمل أن تبنى هذه الحقبة في عهدكم على التفاهم والانفتاح والسعي لإخماد الحروب وبسط السلام والقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه أولاً.. لكنه مع هذه الحال المزرية من التراجع الأمني والإرهاب يضرب أطنابه في كل مكان، فلا اقتصاد ولا استقرار بإمكانكم تحقيقه في العالم ولا حتى في أي من ولاياتكم الأمريكية نفسها.
أما إن قررت إدارتكم الموقرة الذهاب باتجاه التمييز العنصري ومعاداة الإسلام كدين سماوي، وحشر المسلمين جمعيهم في خانة الإرهاب، ووقف هجرة المسلمين لبلادكم، وإعادة اللاجئين لبلدانهم المنكوبة، كما صرحتم خلال حملتكم الانتخابية، والاستمرار بنهج أسلافكم باستضعاف الشعوب والسيطرة على خيراتها، والكيل بمكيالين والتعامل باستعلاء ودعم الحركات الإرهابية وإطلاق اليد لكل من هب ودب باتفاق أو بتغافل للتدخل في شؤون بلادنا، دون أي اعتراض أو استنكار وأنتم «كدولة عظمى يفترض أن تكون راعية للسلام وعامل استقرار»، والإصرار باستخدامكم حق النقض «الفيتو» لسحق الشعوب التي تنشد الحرية وكما هو حاصل في أرضنا المغتصبة فلسطين، ودعمكم المباشر أو غير المباشر لطاغية الشام، وكذلك دعم بلادكم الواضح للجماعات الإرهابية التي تتقمص ثوب «المعارضة» لتقويض أمن واستقرار بعض من دولنا العربية! فلا أخفيكم سراً سيادة الرئيس بأنه لن يتحقق حلمكم الكبير في النهضة الاقتصادية التي وعدتم بها ناخبيكم، بل سوف تنعكس كل تلك القنابل الموقوتة وتتحول إلى نتائج كارثية سيمتد أثرها بالتأكيد إلى الداخل الأمريكي، فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة، فما يحدث في أقصى شمالها سرعان ما يصيب بالاضطراب أقصى جنوبها.
أما ما صرحتم به تجاه إعادة النظر لإدارتكم بالاتفاق النووي الذي تعهد به وأبرمه سلفكم الرئيس أوباما مع مجموعة «5 + 1»، فنتمنى أن تصدقنا القول وفي هذه الجزئية فقط!!
فهذا الأمر محبوك حبكاً وهو من اختصاصات اتباع الدولة العميقة الذين يعملون خلف الكواليس في بلادكم، وسيادتكم أعلم بهم، لكننا كبلدان عربية وإسلامية نتمنى ألا تكون أمريكا وفي عهدكم سبباً في تدهور العلاقات الاستراتيجية التي بنيت لعقود مع بلادكم، وقد يقود استمرار انحيازكم إلى اضطراب ليس في منطقتنا فحسب، بل يتعداه إلى باقي أرجاء العالم.