إن مشاعر الأمومة والأبوة فطرية لدى المرء، وحب الأبناء أمر غريزي لدى الإنسان بل والمخلوقات الأخرى، وبدافع الحب نجد أن الآباء والأمهات يعتنون بأبنائهم ويهتمون بجميع شؤونهم، بل إن هذا الحب هو دافع للآباء والأمهات ليجتهدوا في طلب الرزق ليؤمنوا لأبنائهم معيشة متميزة، وفي كثير من الأحيان نجد أن الآباء يفدون أبناءهم بأرواحهم ويبذلون الغالي والنفيس من أجل إسعادهم، تلك فطرة لدى البشر.
وإنه لمن العجائب في هذا الزمان أننا نجد آباء وأمهات يجعلون أبنائهم وسيلة للانتقام من بعضهم البعض في حال اختلاف الزوجين، وخاصة عند حدوث الطلاق، ألا يكفي هؤلاء الأطفال التشتت من تغير الوضع الاجتماعي؟!
ونجد أنه في بعض الأحيان يكون الأبوان حريصين على إعلان الصراع القائم بينهما والنزاعات المؤلمة للأبناء، ورغم علمهما بالأثر السيء على أبنائهما، ومع ذلك لا يتوقفان عن إظهاره أمام الأبناء، وقد تكون ثمة رغبة لا شعورية أو شعورية لدى أحدهما لإيذاء الأبناء والضغط عليهم بهدف الضغط على الطرف الآخر «الزوج أو الزوجة»، «خاصة إذا بدا أنه يتألم من ذلك أو يحاول إيقافه»، أو بهدف استقطاب الأبناء بعد تشويه الطرف الآخر وإهانته أمامهم أو بهدف إظهار أنه ضحية وأنه يحتاج لمساعدة الأبناء للضغط على الطرف الآخر.
فنجد أول خلاف يكون على حضانة الأطفال، فكل منهم يريد أن يحظى بحضانة أطفاله بغض النظر عما هو الأفضل لهم بغرض حرمان الطرف الآخر من رؤيتهم وبالتالي بتر الآخر من حياتهم مما يشبع رغباته في إيلامه.
ويبدأ كلا الطرفين التعامل وكأنه في حرب شرسة، ويجعلون الأطفال شاهداً عليها وفي بعض الأحيان يتم استخدامهم كوسطاء لإرسال بعض الرسائل التي ربما تكون كاذبة، مما يحمل الطفل عبئاً نفسياً كبيراً، أو التحدث أمامهم بشكل سيء عن الطرف الآخر. وهنا يجد الأطفال أنفسهم عالقين بين الوالدين ويدفعون ثمناً كبيراً لذنب لم يقترفوه مما يجعلهم عرضة لتأثيرات سلبية عديدة مثل الاكتئاب أو المشاكل السلوكية، ناهيك عن العقد النفسية التي تلازمهم حتى في الكبر أحياناً.
إن الزواج مودة ورحمة، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فإذا كان إمساك فليكن، وتستمر الحياة الأسرية ويسعد الجميع، أما إذا كان تسريح، فيجب أن نمتثل لتعاليم ديننا ويكون بالمعروف، كي نحافظ على علاقة الاحترام حتى ينبت الأطفال في بيئة أفضل، ولا يتشوه الآباء أمام أبنائهم ويتحول الأطفال إلى مرضى نفسيين.
للأسف لا يعي الزوجان عند اتخاذ قرار الطلاق أنه قرار لا يتعلق بشخصين فقط، هما الزوج والزوجة، ولكن الطلاق يؤثر على الأبناء، بل يؤثر على المجتمع ككل، فهو أكبر تهديد يواجه الأسرة ويؤثر على مستقبل الأبناء والأجيال. فبدون جو أسري هادئ ومستقر ينعم فيه الطفل برعاية الأبوين، لن يكون بالوسع تنشئة جيل سليم، قادر على خوض غمار المستقبل، شاعر بالمسؤولية تجاه مجتمعه.
شرع الله تعالى الطلاق كحل أخير إذا استحالت الحياة بين الزوجين، وفي حال وقوعه علينا نحن الآباء، ألا نكون سبباً في شقاء أطفالنا وتدمير حياتهم، بل ينبغي أن نتغلب على مشاكلنا العائلية بالهدوء والتروي، ونبعد أنفسنا عن الوقوع في مأزق لا مخرج له، ويجب أن نعي أن من يعانون من تجربة انفصال الأبوين، يتكون لديهم وجهات نظر خاطئة عن الزواج، وتواجههم مشكلات نفسية في حياتهم الزوجية. لذا، على الآباء والأمهات قبل قرار الطلاق، أن يفكروا جيدًا في مصير أطفالهم، وكذلك أن يستشعروا نتائج القرار الذي يتخذونه حول الانفصال وتجنيب أبنائهم تبعاته.
إن الانفصال مؤلم، فلا تستطيع أن تنفصل عن الآخر وتفوز بكل شيء، فيجب أن يكون هناك تنازلات كي يستطيع كل طرف أن يمضي في حياته بسلام، ويجب وضع الأبناء على سلم الأولويات التي يجب أن نراعي مصالحها ومن ثم يتم تقاسم الخسائر على الطرفين.
ختاماً، أبناؤنا يستحقون منا أن نعيد حساباتنا مراراً وتكراراً قبل اتخاذ أي قرار، وعلى الأهل أن يتنازلوا عن الكثير من أجل الحفاظ على الأبناء معافون في كنف الأسرة وإن حصل الطلاق أيضاً يمكن لنا التعويض على الأبناء ويمكن أن نحقق لهم قدراً جيداً من السعادة فيجب أن يشعرالأبناء أن الطلاق لا يعني قطع أي احترام أو تقدير بين أفراد الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء، ويجب عدم محاولة شحن مشاعر سيئة في نفوس الأبناء عن الطرف الثاني، ويجب ألا يتم دفع الأبناء لتحميلهم طرفاً دون آخر مسؤولية الطلاق ولا نجعلهم يشعرون أن لهم دوراً في هذا الطلاق. وأخيراً لماذا يدفع الأبناء ثمن فشل الآباء والأمهات في قدرتهم على بناء علاقة زوجية صحيحة؟ ولماذا لا يتحمل الآباء والأمهات ثمن أخطائهم بأنفسهم في اختيار الزوج والزوجة؟ فيتحلون بالصبر ليسير مركب الأسرة بسلام، ويستقر الأبناء على متنها، «أعيدوا النظر رحمة بأبنائكم».