أقر البرلمان العراقي أمس الأول قانون «الحشد الشعبي» استناداً إلى أحكام البند أولاً من المادة 61 والبند ثالثاً من المادة 73 من الدستور العراقي بعد تمريره من قبل الكتل الشيعية، وبعض من الكتل المتحالفة معها لتتحول تلك الميليشيات والمجاميع المسلحة الخارجة عن القانون والتي أشرف على تشكيلها قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومساعدوه العامري ومهدي المهندس ومقتدى الصدر والخزعلي وبعد فتوى السيستاني على إثر سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة «داعش» وانهيار أغلب القطعات العسكرية، إلى قوة رسمية لها تمثيلها وحصانتها وهذه الخطوة تعتبر سابقة خطيرة لم يسبق أن سلكتها أي دولة إسلامية أو عربية عدا إيران التي أردفت قواتها النظامية بفيلق القدس.
وما يثير الانتباه هو ما جاء في نهاية القرار مذيلاً بالأسباب الموجبة له: «لغرض توفير الحماية القانونية لفصائل «الحشد الشعبي» التي توفر الغطاء والجواز الشرعي لتدخلهم العسكري وإضفاء للمشروعية على ما يصدر من أفرادهم أثناء الاشتباك مع العدو في المناطق القتالية ولتنظيم أعمالهم وجعلها تحت نظر الحكومة العراقية وللحيلولة دون السماح باستهدافهم عاجلاً أو آجلاً بذرائع مختلفة ولتأمين أوضاعهم المالية وحقوقهم.. ولأجله شرع هذا القانون».. انتهى.
وتحوم حول هذا القرار الخطير الكثير من الشكوك خاصة في توقيته، لما يمر به العراق من فوضى واحتراب داخلي وطائفية مقيتة وهيمنة إيران على القرار السياسي، كذلك حساسية الموقف المتأزم بسبب القتال الدائر في أقصى شمال العراق، وبالتحديد عند أسوار محافظة نينوى وحرب المدن والشوارع داخل مدينة الموصل، ووجود الآلاف من مجاميع الحشد الشعبي والتي تنتظر ساعة الصفر للدخول في المعركة التي مازالت في بداياتها وتدار من قبل الجيش النظامي بكافة تشكيلاته وقوات البشمركة الكردية، وإسناد جوي لقوات التحالف بقيادة أمريكا، وحسب ما تتناقله وكالات الأنباء والمراسلون مازالت تلك المعركة الحساسة مهنية، ولم تقع فيها الخروقات والجرائم الكبرى وذلك لحسر وتقييد تحركات قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الدنيا عدا الجهة الغربية عند قضاء تلعفر حيث فسح المجال من أمريكا وأنيطت المهمة لقوات «الحشد الشعبي» والتي تتحرك بحذر شديد والراصد الدولي والتركي يرقبها بحذر وريبة، ويخشى منها أن ترتكب المجازر حيث إن سجل ذلك الحشد مليء بالجرائم والانتهاكات بحق المدنيين العزل والتي يندى لها جبين الإنسانية.
وما سيعقد المشهد العراقي هو أن قيادات ذلك الحشد جلهم مجرمو حرب ومطلوبون دولياً فإعطاؤهم ذلك القرار الصبغة الشرعية سيفسح لهم المجال واسعاً ومن تحت إمرتهم بالإيغال في الإجرام خصوصاً أنهم معبؤون عقائدياً بالانتقام ممن يخالفهم في المعتقد.
وهم صورة طبق الأصل من «فيلق القدس» الذي أسس في إيران تحت ذريعة الحفاظ على الأمن الداخلي الإيراني ومكتسبات الثورة، ثم ما لبث عندما سنحت الظروف بعبور الحدود ليكون عناصره قوة ضاربة ويد إيران التي تبطش بها في العراق وسوريا ولا نستبعد بعد قرار البرلمان العراقي اليوم أن يتحول هذا الحشد الذي تمت تغطيته بالشعبي وهو شيعي خالص كقيادات وأفراد إلى «فيلق مكة»، فإن ضل فيلق القدس الإيراني طريقه إلى المسجد الأقصى الأسير، وصوب وجهته وفوهات مدافعه إلى دمشق وبغداد، ونحر أهلها، فلا أظن أن «فيلق مكة» العراقي المرتقب سيضل طريقه إلى مكة لكن هذه المرة دون تقية ومن المتوقع أن تدخل المنطقة في نفق مظلم طويل.
فمن يفتي لنا بتشكيل الحشد المقابل الذي يحافظ على ما تبقى لنا من ديار الأمة؟ وإن لم يتم التحوط وأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر فسنصحو يوماً والرايات الطائفية ترفرف فوق أسطح منازل الأمة.