نقطتان على خريطة أحداث الموصل لا يمكن إلا التمعن فيهما بدقة، الأولى هي سقوط مدينة الموصل 2014، وصدور أمر ديواني من المالكي، وفتوى للسيستاني لتشكيل «الحشد الشعبي»، والثانية وهي تحرير الموصل تقريباً، وصدور قانون يجعل وجود التنظيم المسلح شرعياً. وما بين النقطتين إتهامات للحشد بحرق ممتلكات ونهب وانتهاكات يؤكدها وصف مقتدى الصدر لميليشيات الحشد بالوقحة التي تذبح وتعتدي بغير حق ضد مواطنين عراقيين. كما يؤكدها تقرير «هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch» أنّ ممارسات «الحشد الشعبي» ترقى لمستوى جرائم حرب.
وحتى في عين أمه العراق، كان «الحشد الشعبي» مولود خطيئة كريهاً منذ يوم مولده، ولن تغير شهادة ميلاده التي صكها البرلمان العراقي من أصله شيئاً. ففصائل الحشد الشعبي تقدر بسبعة وستين فصيلاً تتوزع مرجعيتهم بشكل كبير بين آية الله خامئني في إيران، وبين آية الله السيستاني في العراق. أما بقية الفصائل الأصغر فتتبع محمد صادق الصدر بالعراق، وآية الله صادق الشيرازي بإيران، وآية الله محمد علي اليعقوبي بالعراق، وآية الله كمال الحيدري بالعراق. وتتبع كتائب أشبال الصدر، مرجعية كاظم الحائري في إيران أما «حزب الله الثائرون» فيتبع حسن نصر الله، ومحمد الكوثراني بلبنان كمرجعيات دينية. فكيف تستقيم إجراءات استخراج شهادة ميلاده بهذا العدد من الآباء!! في وثيقة شرعنة الحشد تنصُّ المادة «1» على أن «فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي لها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها». وفي ذلك تكريس للمذهبية، دون توزيع عادل لحفظ حق المذاهب والديانات الأخرى، فدمج ميليشيات الحشد بالجيش العراقي، هو دعم للنفوذ الإيراني، وإدخال لكتلة فئوية بحجم كبير في العسكرية العراقية. وتحصينها ضد الحل أو الإزاحة من المعسكرات العراقية. في وقت يغلق فيه الباب أمام تشكيل قوات سنية أو قوات آشورية أو قوات كردية أو حتى صابئة، مما سيدفع لمواجهات حتمية بغية السيطرة التامة أو خلق التوازن.
* بالعجمي الفصيح:
تشير شهادة ميلاد الحشد الشعبي الرسمية الصادرة في 26 نوفمبر 2016، إلى أن رئيس الحكومة سيكون قائد الحشد من دون تحديد أي شخصية يعينها لقيادته، فهل نتوقع من العبادي أن يسلم قيادة الحشد لجنرال سني أو ضابط لا مرجعية له إلا القانون. فإذا لم يكن رئيس الحكومة العراقية قادراً على دفع الكلفة الباهظة لعملية التحول، فليعلن بقاء الحشد تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني.