من المعروف أنه في علم الأعصاب المعرفي يوجد مصطلح يعرف باسم «عمى التغيير Cognitive Neuroscience»، كأحد أنواع التوجيه الباطني الخاطىء. إذ يخفق الناس في ملاحظة اختلاف شيء ما حول مشهد، عما كان عليه سابقاً، وقد يكون التغيير متوقعاً أو غير متوقع، إلا أن ميزته الخاصة هي أن المشاهدين لا يلاحظونه بالنظر إلى المشهد في أية لحظة. بمعنى آخر، قد لا يفطن المشاهد إلى تغييرات حدثت في مشهد خلال انقطاع وجيز، هذا على مستوى علم الأعصاب المعرفي، أما على مستوى علم السياسة فعمى التغيير يعنى الوقوف عند مرحلة معينة وعدم تخطيها، وتصور أن أحداث تمت بعدها كأن لم تحدث. وهنا لا أتحدث عن جوهر التغيير وإنما عن منطقه، ومدى وجود تغيير من عدمه.
فالعالم العربي اليوم يعج بالعديد من الرؤى المتباينة له منذ عام 2011، ففريق يرى ولا يرى أن العالم العربي لم يتغير قط، وهو الفريق المصاب بعمى التغيير السياسي. وفريق يرى أن التغيير في العالم العربي للأفضل، وثالث يرى أن التغيير للأسوأ. وبالتالي يتنازع العالم العربي رؤى التغيير.
وفي هذا السياق نؤكد على أن العالم العربي بالفعل شهد تغييراً سياسياً ضخماً، وأن من لا يدرك ذلك عليه أن يراجع علماء السياسة وخبراؤها، وعلماء الأعصاب أيضاً إذ إنه مصاب بعمى التغيير السياسي. فتوقع التغيير من عدمه ليس القضية وإنما الجوهر إدراك التغيير.
العالم العربي قبل عام 2011 غير العالم العربي اليوم، سواء من حيث حجم المخاطر أو تكتل الأعداء أو الخريطة الجيوسياسية له أو استقراره أو بقائه أو وضع شعوبه أو إدراكهم للمخاطر أو قدراتهم على تحديها. فعلى سبيل المثال، الدول العربية التي مرت بتحولات كبيرة عام 2011 كانت تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم سوريا فاليمن. ويسبقهم العراق منذ 2003. وكذلك في عام 2016 اتضحت حقيقة التقارب الأمريكي الإيراني عما كانت الصورة قبل ذلك، والتي كانت مشوشة في السابق.
ويؤثر بالسلب عمى التغيير السياسي على قدرة المصاب به فى التشخيص الفعلي للواقع، وبالتالي تقديم المقترحات وابتكار الحلول والتعامل بفاعلية معه. فعلى سبيل المثال، تطورت العلاقات بين الرؤساء ومواطنيهم، وأضحت عملية تعاطي الرؤساء مع متطلبات المواطنين أكبر وأكثر فاعلية في 2016 عما كانت عليه قبل ذلك.
فمن أجل البناء والنهضة لابد من الاعتراف أولاً بوجود تغيير في العالم العربي منذ عام 2011، وعلى أبناء الشعوب العربية أن يحددوا مصيرهم بأنفسهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يحدده غيرهم لهم، ويقوم بتنفيذه عليهم سواء برغبتهم أو قسراً عنهم.