أستغرب لماذا يتعمد الكثير من الباحثين والكتاب مراعاة الطائفيين المتمثلين بإيران ومشروعها وعملائها وأدواتها على حساب العقيدة والوطن والأمن القومي بحجج واهية، فكما أن إيران وجوقتها لهم مشروعهم، ولا يبالون في طرحه بل الاقتتال المستميت لنشره، وقد غادروا التقية، ويتكلمون دون مواربة، ونزعوا الأقنعة، فلماذا لا نكون نحن أكثر وضوحاً ومصارحة مع شعوبنا وأكثر جرأة بالحق في الخوض والتفتيش وتشخيص أخطائنا، والسعي لمعالجتها وبناء مشروعنا المتزن لإعادة النهوض من حالة الخنوع والتردي، وهو لا يقع أبداً تحت مساحة ومسمى الطائفية التي يجب على الجميع مقارعتها، بل هي مسألة الحفاظ على الهوية من الضياع وأمامنا ما جرى لسنة العراق الذين أشرفت هويتهم على الطمس، ولنسميَ الأمور بمسمياتها، فلقد أصبحنا اليوم أمام معركة شرسة، معركة وجود «نكون أو لا نكون». ولنبدأ بالبحث في التجربة العراقية فهي درس مؤلم، ونأمل ألا تتكرر هذه النسخة في دول يخطط الأعداء لسحب البساط من تحت أقدامها.
فلنطلعكم سادتي على أسباب تراجع المكون السني هنالك، ومعاداة أمريكا لهم، وتأليب أغلب المجتمع الدولي ضدهم واستغلال إيران ذلك وتوظيفه في إزاحتهم والتنكيل بهم.
إن موضوع تشتت وعدم اجتماع وحدة الكلمة والصف لرجالات أهل السنة وقيادات سياسية دينية أو وطنية ليس بالموضوع الجديد، فهي معضلة قديمة ابتدأت مع سقوط الخلافة العثمانية وانتشار الأحزاب العلمانية والصراع بينهما، وغلبة تلك الأحزاب بدعم خارجي، فانكفأت الشخصيات والقيادات المتزنة وابتعدت عن العمل السياسي الممنهج وفق الشريعة السمحاء، ومن تصدى للعمل السياسي والحكم في تلك المرحلة، هي قيادات حزبية علمانية لها ارتباطاتها وقد اتخذ بعضها من القومية غطاء.
ولم تظهر المعضلة على السطح إلا في الآونة الأخيرة، ولها مسبباتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوة وبطش الحكومات المدنية المتعاقبة على حكم العراق، ومنذ العهد الملكي، والتي ساهمت في تقييد حركة وعزل قادة وعلماء أهل السنة عن المجتمع، إلا فيما يخص تداولهم للأمور الوظيفية أو الشرعية والفتاوى وابتعادهم بالكلية عن ممارسة أي عمل سياسي أو مدني مما جعلهم حبيسي بحوثهم أو مساجدهم وكتبهم، كذلك لجوء تلك الحكومات إلى تحريم العمل السياسي عدا الحزب والتوجه الواحد وتقييد حركة رجالات الدين «عدا رجالات الحوزة وحزب الدعوة فقد كانت إيران قبل وبعد ثورة الخميني حاضنة لهم بالسر والعلن»، مما أفقدهم المرونة والخبرة لاحقاً في التصدي للمتغيرات والنجاح في إدارة الأزمات.
وكما هو معلوم فإن من أصعب الأمور على رجل الدين أن يتعاطى السياسة بجهل دون تحصين ودراية مسبقة ويوفق بينه وبين ثوابت الشرع، كذلك ساهم بطش الأنظمة الجمهورية دون استثناء وتصفيتها لأي صوت سياسي معارض في خلو الساحة السنية من السياسيين والحكماء. ونحن هنا بصدد تشخيص تجربة خاضها من تصدى للعمل السياسي لأول مرة من الشخصيات التي عملت منضوية تحت الهيئات والجمعيات والأحزاب الدينية بعد فترة الاحتلال الأمريكي للعراق وخلالها وما أعقبها. فمن خلال مراجعة سريعة والتفكر ملياً في ما وصل إليه حال أهل السنة في العراق يتبين بوضوح تيه كل تلك المسميات وفشلها فشلاً ذريعاً في الحفاظ على الهوية السنية. وهنالك العديد من الأسباب التي ساهمت في إخفاق تلك الأحزاب والشخصيات في تحمل مسؤوليتها الشرعية والأخلاقية منها:
1- التعجل والاستفراد بالقرار وغياب روح الحوار البناء، ليس بين الفرقاء فحسب بل بين أبناء المجموعة والحزب الواحد.
2- غياب التنسيق بين جميع تلك الشخصيات والأحزاب والهيئات وعمل كل جهة على حدة بعيداً عن التشاور وقبول النصح.
3- غياب فقه النوازل عن الجميع وتشتت الموقف من الاحتلال الأمريكي فبعض الجهات ذهبت متطرفة بمقاطعة المحتل كهيئة علماء المسلمين مع احترامنا الشديد لشخوصها وعلى رأسهم الراحل الشيخ حارث الضاري رحمه الله، والأخرى ركضت مهرولة لاسترضائه ومباركته كالحزب الإسلامي، مما شق الشارع السني نصفين، وذهب بكلمته وهيبته وسقوطه في نظر المحتل.
4- الغفلة عن خبث ودهاء إيران وعملائها وتلونهم والاشتغال بمقارعة المحتل في وقت مبكر، فما كان ينبغي على بعض من رجالات السنة سياسيين أو رجال الدين أن يغفلوا عن عدو عقائدي هو أشد بطشاً وفتنة على العراق وأهله من المحتل الأمريكي!
فمعاداتهم لأمريكا وعدم الدخول في الحوار معها كواقع حال فتح الباب على مصراعيه للأحزاب والتنظيمات الشيعية الدينية المرتبطة بإيران وحتى الأحزاب الكردية المتصارعة لعقود بتوحيد صفوفها والإسراع بالتقارب معها وملء الفراغ فهذا هو المحور الإستراتيجي الذي غير ورسم المستقبل المظلم لسنة العراق لاحقاً. وسنفصل لكم سادتي في عمود لاحق الخطوط العريضة لإنقاذ أهل السنة في العراق.