كنا قد فصلنا في مقال سابق أسباب إخفاق أهل السنة في العراق، واليوم سوف نتطرق للخطوط العريضة التي من الممكن أن تؤسس لمشروع يساهم في إنقاذهم.
ولا يستحسن لهم اليوم أن يذهبوا لأية تسوية أو مصالحة أو أي مؤتمر دولي وإقليمي بدون إعداد مشروع متكامل.
فبعد أن وصل الحال من التمزق والضياع وسط غياب أي مشروع سني معتدل جامع، مع كثرة وتفريخ الجمعيات والهيئات والأحزاب، الدينية والعلمانية والقومية والوطنية والفصائل الجهادية، والتي لم تزد كثرتها حال أهل السنة إلا ضياعاً وبؤساً.
فكان لا بد على العقلاء اليوم الابتعاد عن الأنا ونكران الذات، وأن يتناسوا خلافاتهم ويسارعوا لوضع خططهم وتصورهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عله بتوحيد واجتماع كلمتهم يؤسسون لمشروع يمكن أن يكون مرتكزاً ومنهجاً ولو مرحلياً لوقف النزف والتردي، وربما إن استمر الحال على ما هو عليه من التشرذم فهم أمام فقدان الهوية بعد فقدهم الأرض.
وليس من الحكمة أن يتم اعتماد شخصية بعينها لوضع الخطوط العريضة لهذا المشروع، بل هو فرض عين يتحمله الجميع ويجب مراعاة التخصص في كل جانب، مع تناول كل مشكلة طفت بعد الاحتلالين الأمريكي والإيراني ودراستها دراسة مستفيضة من الناحية الشرعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية وحتى النفسية، والاسترشاد كذلك بوجهات نظر رجالات الإعلام والمحللين، ثم تختم بالرأي الشرعي والتوصية النهائية لتكون جاهزة للتطبيق ولا مانع من أن تعرض على الدول الإقليمية والعالمية والتي يهمها الشأن العراقي.
بناء عليه، بات من الأمور الحتمية التي لا تتحمل التسويف التفكير ملياً في تشكيل لجنة حكماء تضم جميع التخصصات للمباشرة بعملها الدؤوب، وتعمل تحت إشراف رجل مشهود له بالصلاح وذي باع طويل ومحنك في السياسة الدولية تتفق عليه كل الأطراف، وله مساعدون ومستشارون لينضجوا الأفكار بشرط أن يكون عمله تنسيقياً بحتاً لا تسلطياً قد يفضي بالنتيجة إلى التلكؤ وانفضاض الجمع عنه.
ولن ينجح هذا المشروع إذا غلبت عليه الصبغة الدينية أو الحزبية أو القبلية أو الجهوية أو العرقية أو العسكرية بل هو جامع لكل الطيف لا رأس يعلو فيه على الآخر.
وإن أريد لهذا العمل النجاح فيجب أن يتفهم الفريق العامل الظروف الدولية والإقليمية، وألا يتم رفض العملية السياسية العراقية الحالية على علاتها بالكامل أو المطالبة بإلغاء ونسف الدستور!
فالمكون السني اليوم هو أضعف الحلقات بين المكونات، ولا يسمح له بإملاء الشروط التعجيزية، بل إنه إن شعرت القوى المسيطرة على العراق بمشروع متقاطع مع ما يتم رسمه، فلن يكتب له الولادة والنجاح كذلك ستتحفظ الدول الإقليمية المثقلة أساساً بالهموم عن تفهم ورعاية أي توجه يتقاطع مع مصالح وتوجهات الدول الكبرى.
كذلك يجب العمل على تنشئة محاورين حاذقين في فن التفاوض فهو الطريق الأقصر والأنجع والذي كان يجب أن يسبق المقاومة وجعجة السلاح.
فلقد كان الأمر التفاوضي سهلاً وفي متناول اليد عندما كانت أمريكا هي من يتحكم بملف العراق، أما اليوم فقد اختلف الأمر كلياً وهنالك عدو عقائدي متواجد على الأرض، وقد ملأ كل مفاصل المؤسسة العراقية، وهو من يقود العملية السياسية، فيجب التوجه للمجتمع الدولي والقوى الكبرى وطمأنتهم أن المشروع لا يتقاطع مع توجههم. وليكن في المعلوم أن مشاريع جميع الدول مجتمعة هو أقل خطورة على العراق من المشروع الإيراني.
لذا يجب طمأنتهم وباقي دول المنطقة ثم الشارع العراقي أن مشروع الإنقاذ هذا ليس طائفياً ولا يمثل تحدياً لأحد، وهو ليس مشروعاً يسعى لحدوث انقلاب في العملية السياسية أو الاستفراد في الحكم أو معاداة لأحد، وهو لا ينفذ أي أجندة أو توجه خارجي.
وأخيراً يجب أن يتمتع العاملون في هذا المشروع بالاستقلالية والتجرد عن العاطفة والتزام مرجعياتهم بعدم ممارسة الإملاءات والضغوطات الحزبية عليهم، والابتعاد كلياً عن أي توجيه من خارج الحدود، حتى لا يجير لجهة، مما يفقده مصداقيته وقوته وتأثيره، والله الموفق.