كيف تريد تحقيق النجاح، وبالتحديد نجاح «مبهر» و«خارق» للعادة، ومن يفترض أن يكون «أداة» تحقيق هذا النجاح لا يمتلك أدنى قدرات الوصول لذلك، فاشل في إدارته، ضعيف في عمله؟!
النجاح لا يحققه الفاشلون أو الضعفاء، لكننا نعاني في المجتمع العربي من تغليب عديد من الأمور التي تضرب بالمعايير والأسس عرض الحائط، وتجعل الضعفاء ومحدودي القدرات والفاشلين يتبوؤون مواقع حساسة وهامة، والتاريخ يثبت أن ذلك لن يودي بعمل هذه القطاعات إلا إلى الهاوية.
في واقعنا البحريني لدينا مثل شهير يقول: «ما يطفح إلا اللوح»، وهنا سأترك التفسير لكم وكل بحسب ما يراه أمامه من واقع ومشاهدات.
نريد أن نصل للفضاء لكننا نعين «النجار» في موقع «عالم الفضاء»! نريد أن نصنع قنبلة نووية، مثلاً أقول، فنقوم بتعيين «مدير مكتب وزير» في موقع «عالم الذرة»! نريد أن نطور قطاعاً خدمياً معنياً بالناس الذين يعانون فنضع «ابن حمولة» في موقع من يفترض أن ينزل للناس ويعيش معاناتهم حتى يعرف كيف يتعامل معهم، فتكون النتيجة بصناعة ألف «ماري أنطوانيت» تقول للناس المحتاجين للخبز أن «كلوا بسكويت»!
نحن العرب الذين نفاخر بتاريخنا وديننا وما فيه من مواعظ وحكم وتنوير، ونقول إن إرثنا هذا ساعد الغرب على تطوير نفسه وانتزاع مجتمعاته من عصور الظلام، لكننا نحن من نرى مضامين هذا الإرث فنضرب به عرض الحائط.
قرآننا الكريم يقول في قصة نبي الله شعيب ونبي الله موسى على لسان ابنة الأول: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين». هذا كلام الله وفي زمننا هذا أبحث عن الأقوياء الأمناء الذين توكل لهم الأمور، فأجد في المقابل تقارير طويلة وضخمة للرقابة المالية والإدارية تثبت بأننا لم ننجح في وضع الأقوياء والأمناء!
الشاعر طرفة بن العبد قال في بيت شهير: إن كنت في حاجة مرسلا.. فأرسل حكيماً ولا توصه! والمفارقة هنا وكأن الشاعر الذي عاش على هذه الأرض يدرك أن بلاده ستعج في المستقبل بأناس تسند لهم أمور ومهام فيكونون أبعد ما يكونون عن الحكمة وعليه يحتاجون لألف توصية وتوصية ومع ذلك يفشلون!
تريدون أمثلة؟! فقط انظروا حواليكم، وأترك لكم حرية انتقاء الأمثلة العديدة من «بوفيه» كبير واسع لمسؤولين يتعاملون مع ملفات عديدة دون حكمة ولا اهتمام ولا مسؤولية والنتيجة «خيبة» تدفع ضريبتها البلد.
المثل الإنجليزي الشهير يقول «الذكاء أن تجعل الأذكياء يعملون لديك»! ويبدو أن هذه المعادلة لا تصلح لتطبق في الدول العربية، لأن لدينا للأسف -كما بينا أعلاه- معيار الذكاء لدينا يكمن في النفاق والمراء والتجمل الكاذب، وطبعاً تضاف إليهم أدوات تقوية وتعزيز كالواسطة والترضية، فتعج مجتمعاتنا بالمدعين على حساب المؤهلين، تعج بمن تخدمهم الصدف أو «التوصيات» من قبل أشخاص آخرين «واصلين» ليكونوا في مواقع «أكبر» منهم وتحتاج لتخصص وخبرة ودراية لا يملكونها.
الدولة التي تريد النجاح تبحث عن الناجحين، تبحث عن المؤهلين، تبحث عن المتخصصين، وتبحث عن الذين لا تغيرهم الكراسي والذين ولاؤهم للوطن لا لمصالحهم الخاصة، هؤلاء من يمكنهم تحقيق النجاح، أما التعويل على غير مؤهلين وفاشلين مع سبق الإصرار والترصد ليحققوا النجاح فالنتيجة لن تخرج عن نتيجة عمل بعض القطاعات «المعوقة» بأداء مسؤوليها في هذه الدولة.
من يرتجي النجاح من الفاشل، كمن يحاول صيد السمك في الصحراء!