في زمان ما ومكان ما كانت هنا جزيرة صغيرة، تحيطها مياه البحر من كل زاوية، وأنعم الله على هذه الجزيرة بنعم مميزة، حيث أن بحرها لم يكن مالحاً كباقي البحار، فهو مليء بالعيون العذبة، وكانت تقدر بمائتين ينبوع، فكان أهلها يحصلون على المياه العذبة الصالحة للشرب من نبع ينبثق من الأغوار البحرية الشديدة الملوحة، وكان الغواصون يغطسون في البحر فيملؤون أوانيهم وجرارهم من هذه المنابع الصافية، وتتغلغل هذه الينابيع والعيون بين الجزر وقرب الشواطئ، فتروي البساتين وتغذي أشجار النخيل فتروي أرضها ويابسها مليئة بالنخيل والأشجار والثمار حتى انها سميت ببلد المليون النخلة.
وحباها الله بالعديد من النعم والخيرات، فبحرها مليء بالثروات من الأسماك واللؤلؤ وغيرها، ولكثرة ما فيها من ثروات أطلق عليها بعض الحكماء في زمان ما بأنها أرض لا يهرم فيها الرجل ولا تشيخ فيها المرأة.
وبمرور الزمان أنعم الله على هذه الجزيرة بنعمة أكبر وهي ثروة معدنية نادرة ومميزة، فرح القوم بهذه النعمة وسعدوا بها ولفرط فرحتهم بتلك الثروة استثمروها وركزوا على استثمارها ونسوا باقي الثروات من زراعة وثروة سمكية، واهتموا بالمد العمراني والصناعي، الذي تسبب في ضرر أحواض المياه الجوفية القريبة من البحر، بسبب تكسير الطبقات الصخرية العازلة للمياه الجوفية، وهو ما أدى إلى اختلاط المياه الجوفية بالمالحة وارتفاع نسبة ملوحتها.
وبإهمالهم لهذه الثروات الطبيعية ضاعت ولم يبق منها سوى ذلك الكنز الذي وقعوا عليه ومع مرور الزمن بدا الكنز الجديد يضيع من أياديهم، ومثل سنة الحياة كل شيء له نهاية، وصل هذا الكنز حد نهايته، وهنا أيقن القوم أنهم مع ضياع الثروات الطبيعية التي حباها الله بهذه الجزيرة أصبح هناك تهديد لأمنهم الغذائي بل وللمنطقة ككل.
إن أزمة الغذاء العالمية بأبعادها المختلفة تلقي بظلالها على العالم العربي عامة، ودول الخليج بشكل خاص، باعتبارهما من أكثر مناطق العالم استيراداً للغذاء، ولذا فقضية الأمن الغذائي في دول المنطقة أصبحت إحدى التحديات الاقتصادية المستمرة التي تواجهها هذه الدول وخاصة في ظل ما تعانيه من تحديات من ضعف الإمكانات الزراعية المتمثلة بالموارد المائية المحدودة.
وبدأ القوم يشعرون بالخوف وتعالت الأصوات التي تطالب بضرورة تأمين الحد الأدنى الكافي من الإمدادات الغذائية الذاتية في حال حدوث أي طارئ يمنع من الاستيراد من الخارج، خاصة إذا ما تأثرت الدول المنتجة للمواد الغذائية بأزمات أو كوارث طبيعية، وقد يكون من أبرز هذه المخاطر التي أدركها العالم العربي هي أن العديد من الدول الكبرى المنتجة استغنت عن أحد أهم مصادر دخلها الوطني لتخصص إنتاجها الزراعي للاستهلاك المحلي فقط بدلاً من تصديره للخارج.
ويجب أن ندرك أن هناك العديد من الأسباب التي ساهمت وتساهم في اتساع الفجوة الغذائية، ومنها تأثر البيئة المائية في المنطقة نتيجة التطور الصناعي، وقلة الإلمام بالآثار السلبية الناجمة عن إدخال التكنولوجيا وبعض التوسع العمراني، جميعها عوامل كان لها آثارها المعقدة والمسببة لتدهور نوعية الموارد المائية، وانعكس بالسلب على الإنتاجية والبيئية والثروات البحرية.
بالإضافة إلى أن الطبيعة الصحراوية التي تسببت في قلة توافر الموارد المائية وانخفاض كمية تساقط الأمطار، والظروف المناخية القاسية والمتقلبة التي تؤثر على المحاصيل الزراعية وكذلك قلة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية وضعف قدرتها على تلبية احتياجات السوق.
وختاماً، يجب التكاتف بين دول المنطقة، ووضع سياسة غذائية متكاملة واعتماد استراتيجية موحدة للسعي نحو تحقيق التكامل الزراعي والصناعات الغذائية، وتوجيه جزء مناسب من الاستثمارات الوطنية لمجالات تنمية الموارد المائية وإدارتها وصيانتها وحمايتها، في إطار خطط وسياسات وبرامج آمنة تضمن تحسين وتطوير وبناء قدرات المؤسسات العامة والخاصة في طرق إدارتها للمصادر المائية، وتدبير مصادر متجددة لضمان التنمية المستدامة للأجيال القادمة، مع ضمان الحد الأدنى للمحافظة على البيئة، بالإضافة إلى تشجيع مؤسسات القطاع الخاص على الاستثمار في المجالات التي تعزز الأمن الغذائي، سواء عبر التوسع في الاستثمار الزراعي واستغلال الثروة البحرية وفي مجال الصناعات الغذائية.