في اتفاق تركي روسي تم الإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار في سوريا والتحضير لمفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، كما أعلن في وسائل الإعلام أن جميع الفصائل المعارضة ستكون ممثلة في المفاوضات التي ستقام في كازاخستان البلد الحليف لروسيا. هنا يجب التذكير أن أمراء الحرب لا يمكنهم بناء دولة، وهنا يجب أن نعاين النموذج اللبناني حيث نظام المحاصصة الذي هو ترجمة مشوهة، قد أبقى على رجال الحرب في وقت السلم، فالميليشيات الطائفية لا يمكنها أن تبني دولة مدنية، ولذلك فلبنان وبالرغم من كل إمكانياته البشرية وبالرغم من إنفاق مبالغ طائلة على إعادة الإعمار لم يستطيع النهوض حتى بعد انقضاء أكثر من 20 عاماً على الحرب.
ولذلك حتى لو دعيت الفصائل السورية المسلحة إلى المفاوضات يجب ألا تغيب الفصائل المدنية، لأنها هي التي سيعول عليها بناء الدولة في ظل السلام، فالظروف العصيبة للحرب أنتجت مجالس محلية مدنية، وهي التي منعت النظام الاجتماعي من الانهيار الكلي. ففي ظل ديكتاتورية بشار الأسد وأبيه وخنقهما التام للحريات العامة ولأي حراك مدني، لم يكن هناك أي بديل مدني لنظام الأسد الشمولي والظالم، ولكن الأمور اختلفت مع بزوغ الثورة. ففي ظل غياب مؤسسات الدولة وانعدام الخدمات العامة وجد المواطنون أنفسهم بحاجة لإدارة أمورهم بأنفسهم، ولذلك قاموا بإنشاء مجالس محلية. وتطورت هذه المجالس خلال ما يناهز 6 أعوام من الظروف الصعبة لتقدم خدمات تشمل التعليم والرعاية الصحية وخدمات بلدية مختلفة. وتلك المجالس هي ديمقراطية بطبيعتها لأنها منتخبة من السكان المحليين، وهي تعكس النسيج الاجتماعي للمناطق التي تمثلها وهناك ما يقارب من 450 مجلس محلي في سوريا. وقد بدأ تمويل المجالس من خلال السوريين المقيمين في الخارج ولكن ما اشتداد الحاجة ما لبثت مصادر المساعدات أن تعددت لتشمل منظمات غير نفعية عالمية مثل منظمة الغذاء العالمية وغيرها. وقد تمكنت المجالس المحلية المعارضة من مراكمة خبرات في إدراة شؤونها، كما إنها نجحت في ترسيخ مبدأ تداول السلطة من خلال إقامة دورات انتخابية منتظمة. لذلك فتلك المجالس التي لديها خبرة إدارية ولديها شرعية وهي مختلطة وغير طائفية تشكل البديل الأفضل لنظام الأسد من أجل مستقبل سوريا. وأكبر خطأ يمكن أن ترتكبه كل من أنقرة وموسكو يكون بتغييب تلك المجالس المحلية وتسليم إعادة بناء الدولة إلى رجال الحرب، وبذلك سيتم في سوريا تكرار الأخطاء التي تم ارتكابها في لبنان.