كان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستشاراً ناصحاً للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحريصاً على بقائه إلى جواره دائماً، وكان عمر بن الخطاب يبادله حباً بحب، ويذكر دائماً فقهه وحكمته الواسعة. وكم كانت فرحة علي بن أبي طالب عندما أهداه عمر بن الخطاب ثوباً، فكان علي يرتديه كثيراً بعد وفاة عمر، وعندما سأله شخص: يا أمير المؤمنين إنك تكثر من ارتداء هذا البرد «الثوب»، قال علي بن أبي طالب: «لقد كساني إياه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ناصح الله فنصحه»، ثم بكى عليه.
يسأل البعض، إنه إذا كان عمر يحب علياً كل هذا الحب، لماذا لم يضعه كخليفة له، والجواب على ذلك واضح وبسيط، وهو أن الإسلام أمر بالشورى بين المسلمين في تسيير أمور الحكم، حتى إن هناك سورة نزلت باسم «الشورى»، نظراً لأهمية الشورى وضرورة تطبيقها في حياة المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبقها طوال حياته كنبي ورسول، وفي هذا يقول الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وكانت تطبيقاته للشورى متنوعة، بحسب الحادثة وأهميتها والظروف المحيطة بها.
والأمثلة كثيرة على ذلك، حيث لا يتسع المقال لذكرها، في مسألة استشارته للصحابة في المعارك التي شارك بها أثناء نشر الدين الإسلامي. وكان الرسول الكريم يستشير الصحابة حتى في أموره الخاصة حتى لا يظلم أحداً لا في أحكامه العامة أو في أحكامه على آل بيته.
وبهذا استطاع رسول الأمة أن يرسخ مبدأ الشورى في نفوس الصحابة حوله وجعلهم مثالاً يقتدي بهم المسلمون من بعده.
إن تطبيق الشورى الذي عمل به الرسول والصحابة الأربعة من بعده هو الطريق لتحقيق العدل والحرية والكرامة، والوسيلة للخلاص من الاستبداد والقهر السياسي في الحكم، وفي تعامل الناس بعضهم بعضاً، سواء في حياتهم الخاصة أو العامة،
وبالشورى تبنى المجتمعات الفاضلة والدول القوية، ألم يذكر الله سبحانه وتعالى في سورة «الشورى» قوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم».
إذن، لا يستطيع عمر بن الخطاب الحريص على تطبيق الآية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى كأساس لاختيار الخليفة للخلافة، في القرآن الكريم في سورة «الشورى» أن يفرض علي بن أبي طالب على الناس كخليفة لهم من بعده، حتى لو أعجبه، دون اتباع مبدأ الشورى، لذلك رشح علي لثقته في قدرته على القيادة أن يكون ضمن ستة من الصحابة، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، ليختار المسلمون خليفة منهم للمسلمين من بعده، وهو ما يدل على حبه واحترامه وإيمانه بقدرات علي بن أبي طالب كخليفة للمسلمين، حتى إنه قال لابنه عبدالله قبل وفاته «لو ولوها علياً لسلك بهم الطريق».
* حقيقة اختيار الخليفة الأول للمسلمين
ولو عدنا إلى اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه للخلافة، ودرسنا الموقف الخطير الذي واجه الأمة الإسلامية عند وفاة الرسول الكريم لوجدنا عذراً في انشغال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب عن دفن الرسول الكريم رغم حزنهما الشديد على فقدانه. إذا واجه هذان الصحابيان الجليلان موقفاً صعباً يهدد اتحاد المسلمين بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تشاجرت جماعة من الأنصار مع جماعة من المهاجرين كل يدعي أحقية جماعته بالخلافة أثناء دفن الرسول الكريم، وكان الأنصار يدعون أنهم ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تم إيذاؤه من قبل الكفار، مع من أسلم معه في مكة ومن ثم لجوؤه إلى المدينة، وضحوا بأموالهم وأرواحهم من أجل نشر الدعوة الإسلامية، مثلهم مثل المهاجرين، فلماذا لا يكون لهم حق الخلافة وتكون حكراً على المهاجرين فقط؟
والمهاجرون يعتقدون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون من قبيلة قريش التي خرج منها الرسول الكريم.
وعندما احتدم الخلاف بينهم اتجه أبو بكر وعمر لحل هذا الموضوع الخطير الذي يهدد اتحاد المسلمين في هذا الوقت الصعب الحزين، وقاما بإقناعهم بأهمية أن تظل الخلافة في قبيلة قريش لأنها القبيلة التي خرج منها الرسول الكريم، وقبل الأنصار بذلك.
واختار المهاجرون والأنصار أن يكون أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين بعد رسول الأمة الإسلامية محمد صلى الله عليه وسلم لكبر سنه وخبرته وحزمه وقربه من الرسول الكريم، كصديق يضرب المثل في وفائه ومناصرته للدين الإسلامي بماله ونفسه منذ بداية ظهور هذا الدين.
لكن أبا بكر الصديق رفض ورشح عمر بن الخطاب لهذه المهمة الصعبة لهيبته وقوة شخصيته، لكن عمر بن الخطاب لم يقبل بترشيحه وأصر مع المهاجرين والأنصار على أن أبي بكر الصديق أكثر شخص صالح للخلافة بسبب الظروف الصعبة والمخاطر المحيطة بالدين الإسلامي، وسط انفعال الناس وعدم تصديقهم لموت الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعوة بعض الناس إلى الارتداد عن الدين الإسلامي. وهكذا تم اختيار أبي بكر حسب الشورى المطلوبة في القرآن الكريم واستتبت الأمور بعد ذلك لينتشر الدين الإسلامي وتكبر الدولة الإسلامية. «يتبع».