الخوض في موضوعات الاقتصاد والحديث عن تضخم أو أزمة قد تصيب معدلات النمو في اقتصاديات دول العالم لا يعني بالضرورة تأثر المستقبل بذلك أو حدوث تأثير عليه، بعد أن أصابت الحيرة المحللين الاقتصاديين، فمنهم من قال إن الاقتصاد العالمي في مرحلة انهيار وإن على الدول اتباع سياسة التقشف وترشيد الإنفاق، مستنداً إلى أن الدول النفطية قد أصابها انهيار في إيراداتها، في المقابل يرى اقتصاديون آخرون أن ذلك مجرد فترة وستعاود الدول النفطية نموها الاقتصادي.
أنا لست خبيراً اقتصادياً لتحليل البيانات المالية أو وضع الموازنات العامة، لكن الأحداث الخارجية هي التي تؤثر على الاقتصاد بشكل مباشر، خاصة أن بعض دول الشرق الأوسط التي تعتمد إيراداتها بشكل كبير على النفط هي أكثر الدول تضرراً من الناحية الاقتصادية من تلك المجريات التي تحدث في المناطق المتأزمة خاصة في سوريا والعراق واليمن.
في تحليل الواقع، إن الدول النفطية استفادت من مرحلة الركود السياسي كانت قد مرت به المنطقة في وقت سابق، مما جعلها تتنفس وتدخل خزائنها مبالغ طائلة من الثروات، إلا أن ذلك جاء في فترة ماضية وانتهت، مع وجود مخططات غربية استهدفت المنطقة، وقد نجحت المخططات في جعل الدول النفطية تصل لمرحلة غليان اقتصادي ينبئ عن انهياره في أي لحظة، وبالتالي فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأحداث السياسية ومعدلات النمو الاقتصادي بالدول النفطية.
فباتت الدول النفطية تواجه مجموعة من الصعوبات في الوصول لمرحلة رفع النمو الاقتصادي لها وسط الأحداث السياسية التي تجري في المنطقة، إلا أن الأمر ليس من السهل اجتيازه، دون مبادرات وإجراءات تصحيحية من قبل تلك الدول، بحيث لا تتأثر الشعوب من ذلك، وقد اتجهت بعضها بوضع مبادرات لترشيد الإنفاق وتقليل تكاليف المشاريع ومصاريف الخدمات على المواطنين مما قد يتسبب مع الوقت لخلق أزمات سياسية إذا لم تأخذ تلك الدول اتجاهات تصحيحية بالشراكة مع مواطنيها لمواجهة تلك المرحلة الحرجة.
من هنا تأتي أهمية المجالس البرلمانية والشعبية في إشراك المواطنين في عملية اتخاذ القرار، على أن تكون تلك المجالس هي صاحبة الكلمة الرئيسة والفيصل الوحيد في الإجراءات التصحيحية للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي والوصول لمرحلة التوافق بين توجهات الدول في شد الحزام ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على المنطقة، نتيجة تلك الأحداث والمؤمرات من الدول الكبرى في جعل الشرق الأوسط متأزماً، لأن ذلك سيعود على تلك الدول بعوائد خيالية مقارنة بمرحلة الركود السياسي التي جاءت بعوائد مالية للدول النفطية.
بالتالي، إن التوقعات بالانهيار الاقتصادي للدول النفطية قد تكون صحيحة بعض الشيء إذا لم يتم مواجهتها بتدابير سياسية بإشراك الشعوب في اتخاذ القرارات المصيرية في ترشيد الإنفاق واستيعاب أن تلك الأحداث ما هي إلا من أجل أن تتحول عوائد الاقتصاد من داخل الشرق الأوسط إلى عواصم الدول الكبرى، ونتيجة لذلك فان الشعوب حينما ترى أن حكومات الدول النفطية تضع جملة من المبادرات وترتيب الأولويات بيد شعوبها ستمر بتلك الأزمة بشكل آمن وسلس بعيداً عن المقاصد الغربية في خلق أزمات سياسية، بسبب تضييق الخناق على الدول النفطية التي تعتمد ميزانيتها على إيرادات الذهب الأسود، وتبدأ عملية التدخلات الغربية بشؤونها والوصول لمرحلة الاستيلاء على الدولة وأموالها.