هل الانتصار من خلال الحروب العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة «داعش» وهزيمتها سوف يترتب عليه نهاية للإرهاب في العالم؟ صحيح أن كل دول العالم تريد نهاية لـ «داعش» والإرهاب، ولكن ماذا بعد «داعش»؟ اختزال ظاهرة الإرهاب في العالم في تنظيم «داعش» فقط فيه كثير من التجاهل لظاهرة الإرهاب وحقيقتها في العالم. في الماضي، تم اختزال الإرهاب في تنظيم «القاعدة» وولدت «القاعدة» تنظيمات أكثر إرهاباً منها وهي «داعش» وأخواتها! هناك أشكال متعددة للإرهاب في مناطق متعددة من العالم ومنها على سبيل المثال الميليشيات الطائفية الإرهابية التي شكلتها إيران، وتحديداً في العراق مثل «الحشد الشعبي»، وفي سوريا، و«حزب الله» في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن، وتمدها بالمال والسلاح لتحقيق أهدافها وتقوم بالتدخل في شؤون هذه الدول، ألا يسمى ذلك إرهاباً؟! وألا يتسبب ذلك في نشأة إرهاب مضاد من التجييش الطائفي المضاد؟!

يقول الكاتب ديفيد غاردنر، في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، «إن الحملات العسكرية لاستعادة مدينتي الموصل العراقية وتدمر السورية من أيدي «داعش»، لا تعني أن هذا التنظيم بدأ يتصدع، كما تشكك هذه الحملات أيضاً في نجاح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الانتصار على «داعش» في الرقة والموصل قبل انتهاء فترة ولايته ولكن ذلك لم يتحقق». ويعتقد غاردنر أن الإرهاب في العراق وسوريا لن يتم حسمه عبر ساحات القتال بل يحتاج إلى وجود طرح سياسي شامل وإستراتيجية متكاملة لتحويل مشاعر المسلمين عن الفكر الذي يروجه «داعش» وأمثاله. محاربة «داعش» تحتاج إلى إقامة نظام حكم يمثل كل مكونات البلد.

ولعل أول بؤرة بدأ منها الإرهاب هو الإرهاب الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ولا يزال المجتمع الدولي وبالتحديد أمريكا وبعض الدول الأوروبية يتجاهل القضية الفلسطينية، حيث ظل هذا الشعب لأكثر من نصف قرن دون وطن أو دولة وتعرض لأصناف من أعمال العنف الإسرائيلية، ألم يكن ذلك إرهاباً؟! وكل القرارات التي وافق عليها مجلس الأمن حول هذه القضية إما تم وضعها على الأرفف أو نقضها من خلال استخدام أمريكا لحق النقض «الفيتو» لأكثر من قرار لحل هذه القضية، ولذلك فإن الإرهاب لن ينتهي في العالم ونركز هنا على القضية الفلسطينية لأنها سبب لكل الانتفاضات التي قامت في الدول العربية.

لذا، حتى يتم القضاء على ظاهرة الإرهاب يجب إيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني، ذلك هو المدخل لاجتثاث ظاهرة الإرهاب من جذورها ولن يتم ذلك بدون إصلاح هيكلية النظام الدولي الذي أصبح كما لو كان تحكمه دولتان فقط هما روسيا وأمريكا، بعيداً عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهناك أصوات في أوروبا أقرت بهذه الحقيقة حيث شنت النائبة بمجلس اللوردات البريطاني البارونة جينيفر تونج، هجوماً حاداً على إسرائيل، مؤكدة أنها سبب في تصاعد الإرهاب وظهور تنظيم «داعش»، الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بعزلها.

قالت تونج - المعروفة بهجومها على إسرائيل ومساندتها للقضية الفلسطينية - في مناقشة بمجلس اللوردات البريطاني حول الأوضاع المعيشية للأطفال الفلسطينيين، إن إسرائيل «تخلق جيلاً من الإرهابيين الذين سيجدون ضغينة مبررة تجاه إسرائيل والدول التي تساندها»، بحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية. وأضافت البارونة بعد مناقشة حوادث إطلاق النار على الأطفال الفلسطينيين من جانب جنود إسرائيليين، إن «معاملة الإسرائيليين للفلسطينيين سبب أساسي في ظهور التطرف و«داعش»».

لذا، على دول العالم إذا ما أرادت أن تتخلص من ظاهرة الإرهاب أن توجد حلاً للقضية الفلسطينة وأن تدرك أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية إسلامية لوجود المسجد الأقصى. ومما زاد من هذه القضية تعقيداً هو أن بعض الدول في المنطقة اعتبرت القضية الفلسطينية مثل «قميص عثمان»، لتبرير تدخلها في دول المنطقة وتحقيق أطماعها الخاصة مثل إيران، التي تدخلت في لبنان وأوجدت منظمة إرهابية حسب التصنيف الدولي وهي «حزب الله»، لكي يدخل في حروب مع إسرائيل على حساب قضية الشعب اللبناني. حيث إن «حزب الله» أصبح دولة داخل الدولة وتدخل في القضية السورية، وهنا نتساءل، عندما تختطف دولة ألا يسمى ذلك إرهاباً؟!

إن المدخل السياسي وحل قضايا الشعوب هو الحل الأمثل للقضاء على الإرهاب الدولي وعلى هذا الحل لا بد أن تجتمع الأمم، أو أن نرسل الطائرات والأسلحة ونقوم بحروب الأرض المحروقة كما حصل في سوريا، حيث قامت الطائرات الروسية بقصف المدن السورية، مثلما حدث في حلب، عن بكرة أبيها، وهذا لن يقضي على الإرهاب، إنما سوف يزيد الإرهاب إرهاباً أكثر منه، وهذا ما سوف يحدث في العراق واليمن، فهل تعي دول العالم المتقدمة حقيقة الإرهاب وأسبابه الحقيقية وفق الرؤية الشاملة التي طرحتها، أم تظل ماضية في حشد الجيوش واستخدام أحدث الأسلحة وبذلك يظل الإرهاب وباء لا يمكن القضاء عليه؟!