فاطمة عبدالله خليل

جاءت الرسالة التي حملها وزير الخارجية الكويتي إلى طهران للدعوة إلى الحوار وضرورة تحسين العلاقات الخليجية الإيرانية، مفاجأة غير متوقعة من قبل الرأي العام الخليجي ولا حتى من قبل نخبه الفكرية، رغم دعوة كثير من تلك النخب في أوقات سابقة أكثر تأزماً للحوار أو للتهدئة بين الجانبين على أقل تقدير. وتمخض عن تلك المفاجأة تباين في وجهات النظر الخليجية النخبوية، والتي كنا قد تابعناها عن قرب لفترة ليست بقصيرة، ورصدنا من خلالها التحولات التي طرأت على المحللين السياسيين والعسكريين وجملة من الإعلاميين خلال السنوات الأربع الأخيرة ومواقفهم التي أخذت في التبلور بشكل ربما يكون أكثر إيجابية نحو التعاطي مع الجانب الإيراني، رغم توجس البعض، ومحاذير البعض الآخر.

وكشفت بعض الآراء عن رغبات حقيقية في الانفتاح على الآخر الإيراني، بينما أبدت أطراف أخرى تعنتها وكأن الحوار الخليجي مع إيران يجب أن يقود لإخضاع الأخيرة تحت الشروط الخليجية كاملة ورهن الرؤية الخليجية المنفردة، وهذا ما سعت "الوطن" لتسليط الضوء عليه عن قرب من خلال استطلاع آراء جملة من النخب الفكرية الخليجية من خلال المصافحة النخبوية الخليجية الأولى لقارئ "الوطن" عبر "ضفاف الخليج".



وأكد د.ماجد التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية أن إيران لا تقر بحوار خليجي-إيراني، ولا تسعى إليه؛ فهي تسعى للمصالحة مع المملكة العربية السعودية لتجاوز جانب من أزمتها إقليمياً والناتجة عن الخلاف مع المملكة، ومن أجل أن تعود لممارساتها السابقة بالتفرد بالدول الخليجية واحدة واحدة.

وقال إن مشكلة إيران معنا جاءت بعد اقتحام السفارة السعودية، وسبق اقتحام الملحقية السعودية في مشهد، لذا يلزم إيران تقديم اعتذار رسمي للمملكة والتزام أمام الأمم المتحدة بحفظ أمن السفارات، واحترام الأعراف والمواثيق الدبلوماسية، وتقديم المعتدين للمحاكمة دولياً، هذا فقط يبرهن صدق نوايا إيران - ليس للتصالح معنا فهذا لن يحدث - ولكن لضبط سلوكها الإجرامي في المنطقة. ولا يجب أن يكون لإيران أية شروط لدخول الحوار، بل التزامات أمام الأمم المتحدة.

وشدد على أنه لا يخفى أن إيران كانت قد هاجمت سفارتنا السعودية أكثر من مرة في عام 2005، وقتلت دبلوماسياً سعودياً في السفارة، فضلاً عن كونها تحتل دولاً عربية، وتخلق بؤر إرهاب على أراضينا في الخليج العربي، وتنشر مخدراتها تصنيعاً وتهريباً، وأن لها مشروعاً عدائياً صريحاً، ولا يمكن أبداً الوثوق بالنوايا الإيرانية.

من جانبها، قالت فايزة البلوشي كاتبة وباحثة اجتماعية عضو اللجنة الاستشارية بمجلة شرق غرب الفكرية أعتقد أن الحوار الخليجي الإيراني هو أفضل سبيل للخروج من المأزق وحالة التشرذم التي تعيش فيها المنطقة بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي، وخاصة أحداث سورية والبحرين التي أسهمت في تأجيج الوضع بين دول الخليج وإيران، لأن عدم الحوار يعني أن يعيش الجميع في حالة قطيعة أو مواجهة مع الآخر، وهذا بطبيعة الحال لا يصب في صالح دول المنطقة وإيران.

وأشارت إلى أنه من المؤكد أنه عندما يكون هناك حوار فيجب أن يكون حسب أسس سليمة وأجندة واضحة حتى يعطي نتائج وثماراً إيجابية وأن يعتمد على الصراحة والمكاشفة مع الآخر مثل الاتفاق على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام استقلال وسيادة كل دولة.

وأضافت أن دول الخليج وإيران بدأت تدرك فعلاً أهمية الحوار، ولها الرغبة في ذلك لأسباب مختلفة منها، أهمية التعاون فيما بينها للتصدي للتحديات التي تواجهها المنطقة والجانبان، وخاصة بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإعلانه لبعض القرارات التي يراها العرب المسلمون عنصرية، وكذلك التعاون معاً لمواجهة التيارات المتطرفة والإرهاب الذي أصبح يهدد جميع دول المنطقة على حد سواء، والتعاون معاً في إيجاد حلول لانخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى حدوث عجز في ميزانيات دول الخليج وتراجعاً في عملية التنمية، وهوما يتطلب اتفاقاً بين دول الخليج وإيران في منظمة "الأوبك" من أجل العمل معاً على رفع أسعار البترول إلى سعر تتفق عليه جميع الأطراف.

وفي السياق نفسه، قال ‌أ. خالد طاشكندي مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ نحن أمام معطيات حقيقية يجب أن توضع في الاعتبار، ولعلها تدفع للانخراط في الحوار الخليجي مع إيران أبرزها: إيران جار إقليمي، وإيران تقع في منطقة جيوستراتيجية على مشارف مضيق هرمز وعلى مرمى حجر من ثرواتنا النفطية، وإيران دولة عضو ومؤسس في منظمة التعاون الإسلامي، وإيران دولة عضو ومؤسس في منظمة أوبك، وإيران لديها شراكات إستراتيجية مع دول إقليمية مؤثرة ولا يمكن إغفالها وعلى رأسها تركيا، وإيران تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، ونظام الملالي له تأثير عقائدي كبير وخطير في المنطقة، والقوى العالمية منقسمة تجاه الشراكة مع إيران.

ونوه إلى أن الخارجية السعودية منذ عهد -المغفور له بإذن الله- الأمير سعود الفيصل لم تقطع المملكة خط عودة العلاقات مع إيران مشترطة مبدأ احترام حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وبالتالي قد تعود السفارات الخليجية إلى طهران.

وقال إنه يبدو للبعض أننا تنفسنا الصعداء بالتعرف قليلاً على توجهات السياسة الأمريكية في عهد ترمب، ولكن هل رؤية ترمب تجاه إيران وممارسة قيود وعقوبات على إيران وأنشطتها المشبوهة ستنجح من خلال دفعنا للمواجهة معها؟ أعتقد ليس بالضرورة.. لأن إيران أيضاً لديها "كروت" قوية. صحيح أن إيران ليست بتلك القوة الخارقة، ولكن الدخول معها في مرحلة عداء تام سيحول المنطقة إلى جحيم. ويجب أن نتيقظ إلى أن الحكومة الأمريكية مثقلة بأعلى دين عام في التاريخ متجاوزاً حاجز ال 20 تريليون دولار لدرجة أن حكومتهم قد تمد يدها قريباً على صندوق ومدخرات التقاعد المقدرة ب 23 تريليون دولار وفقاً للتقارير التي ترى أن الحكومة قد تفعل قوانين وأحكاماً عرفية لتخفيف عبء الدين العام مثل "القانون المالي للدفاع عن النفس" (Financial Martial Laws)، ولا نتوقع أنها ستدفع الخليج العربي لمواجهة إيران والتصدي لها لتحقيق مكاسب أمريكية في هذا الملف دون ثمن باهظ جداً، وهذا المتوقع.

وشدد على أن مواجهة إيران بطريقة حكومة الصقور سوف تستنزف موارد الخليج كما أن إيران لن تسقط في ظل وجود حلفاء لها، وعلى الخليج ألا يقع مع الأمريكان في فخ العصا والجزرة، علينا التركيز على مضاعفة الجهود الدبلوماسية للتعايش مع الخازوق الإيراني، وعلينا أيضاً أن نتذكر التاريخ جيداً "عدو اليوم هو صديق الأمس".

بدوره، قال د.عبدالله باعبود مدير مركز دراسات الخليج جامعة قطر علينا أن نعترف أن إيران لديها الكثير من السلبيات ونحن لا ننقصها بكثير، وإذا ظللنا نعتقد أن إيران عدو ستبقى عدواً وتعتبرنا كذلك، ولكن حان الوقت أن يتجاوز الجميع الخلافات وسوء الظن ونفتح صفحة جديدة، وكلنا نعلم أن التحاور يكون مع الأضداد وأنه لا يوجد ما يسمى وقتاً مناسباً، وإلا سنظل ننتظر تغيير الظروف لوقت طويل، نحن دائماً نراهن على التغيرات الخارجية، أما حان الوقت أن نراهن على حكمة قياداتنا؟!

وأشار إلى أن إيران تحدٍّ إقليمي، وستبقى تحدياً إقليمياً، ولكن الحكمة كيف نحول هذا التحدى إلى تعاون إقليمي. نفكر خارج الصندوق! مسقط تفكر بمنطق عقلاني لاحتواء أي خلاف، وهناك دول خليجية أخرى أيضاً تعمل ذلك والمبادرة الكويتية مثال.

وأكد أن النفط والغاز ربما تكون القطاعات التى يشملها التعاون بين كل دول الخليج ومن ضمنها إيران وربما ينعكس النجاح في التعاون في هذا القطاع إلى قطاعات أخرى.

وقال د. ظافر محمد العجمي مدير مجموعة مراقبة الخليج إنه سيتم الحوار بدوافع داخلية لأن ارتفاع درجة حرارة ضفتي الخليج هي (حمى داخلية) أدت لظهور البثور في الجسد الخليجي في البحرين واليمن، والتجسس في الكويت، والمفاعلات في بوشهر، ثم إغلاق السفارات، وليس المسبب خارجي سواء كانت الضغوط الغربية أو الاستدارة الأمريكية. وإن تم الحوار فسيتم للخروج من مأزق مشترك وبشكل محدود لقضايا تخص حقول الغاز والنفط، بمعنى من منطلقات اقتصادية ضيقة، لكن ليس من منطلقات سياسية قوية لبعد نقاط الاتفاق، ولن تقترب طهران من قاعة المفاوضات إلا بعد أن تضمن أن الحوار لن يتم تحت مظلة مجلس التعاون، فرغم أن المجلس دخل جميع حواراته الإستراتيجية ككتلة واحدة مع الصين وروسيا والهند وحتى دول أمريكا الجنوبية، إلا أننا سنرى في الحوار الخليجي الإيراني ما يشبه الحوار الخليجي مع حلف شمال الأطلسي، حيث تفاوض الناتو مع دول الخليج منفردة في مبادرة إسطنبول، فليس من صالح طهران الاعتراف بتوحد مصالح الخليجيين.

ونوه إلى أن الشروط المتوقعة من طهران فستكون لحفظ ماء وجهها أمام الأطراف الإقليمية التي تدور في فلكها من الميليشيات والكتل الطائفية في البحرين والسعودية ولبنان والحوثيين، وربما بما يخص المرحلة الانتقالية لبشار الأسد، فهناك مؤشرات على أن طهران قد دخلت في حسابات الخسارة معه. وهناك أخبار عن رفع صور أخيه ماهر الأسد وشعارات تحمل (وتستمر المسيرة)، حيث يبدو أن إشاعات مرض بشار الأسد هي آلية لخروجه من المشهد. كما ستطالب طهران وبشكل غير معلن بإطلاق سراح بعض رموز التابعين لها في السجون الخليجية. أو تخفيف الأحكام ضدهم أو إعادة الجنسية لمن سحبت منه.

وذكر أنه ليس هناك اتفاق خليجي على توصيف العلاقة مع طهران إن كان عداوة معلنة أو تحدياً إقليمياً أو مجرد فوبيا نجحت إيران في خلقها وتغذيتها؛ فصنعت لها هيبة تستحق أن نفاوضها لتحاشي تباعد الصدام، حتى أن هناك من طالب بضرورة وجود طريق للحوار بتفكير خارج الصندوق. رغم أنه يمكننا القول أن مسقط قد فعلت خطوة التفكير خارج الصندوق لكن النتيجة كانت صداعاً خليجياً جراء عملية التفكير تلك التي كانت خارج المعتاد في مراكز صنع القرار الخليجي.