لم تمضِ أيام على تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى اندلعت الحرب الكلامية والتصريحات النارية منه ومن طاقمه الجمهوري تجاه النظام الإيراني، وكأنهم كانوا ينتظرون خروج الرئيس السابق باراك أوباما وطاقمه الديمقراطي من أروقة البيت الأبيض ليخرجوا عن صمتهم!!

والملفت للنظر أن تلك التصريحات لم تأتِ كالعادة من قبل الناطق باسم الخارجية الأمريكية، مما يعطي انطباعاً أن هنالك تغييراً جذرياً حصل في المزاج الأمريكي تجاه حليف الأمس، وأن هنالك متغيرات ومعطيات كثيرة يتطلب معها طي صفحة مريبة من حكم الديمقراطيين والذي أورث هذه المرة الجمهوريين عبئاً ثقيلاً.

ومعروف عن أقطاب البيت الأبيض جمهوريين وديمقراطيين أنه لا ينتقد أو يشهر أحدهم بسياسة الآخر إلا عند احتدام الصراع الانتخابي، ثم ما تلبث أن تعود العلاقات الحميمية بينهم للعمل سوياً تحت قبة مجلسي الشيوخ والنواب. لكن يبدو أن الخلاف في التعاطي مع الملف الإيراني هذه المرة وصل إلى حد التباين والتصدع، بما يصعب معه التوافق والاستمرار بذات النهج الذي اتبعه أوباما وإدارته في التعامل مع نظام «الولي الفقيه»، والذي أضر بهيبة أمريكا فقرر الرئيس ترامب من فوره التعامل بحزم وشدة مع النظام الإيراني، على الرغم من أن الفرص التي تركها له سلفه تبدو ضئيلة بعد أن حصنها وكافأها لقاء خدماتها بالاتفاق النووي الذي كان بمثابة حلم لذلك النظام، مما أنعش طهران وأخرجها من عزلتها وقواها اقتصادياً، بعد أن تم تحرير 150 مليار دولار من أموالها المجمدة، وكان ذلك بمثابة طوق نجاة لغريق يلفظ أنفاسه. وبعيداً عن الضوضاء والحرب الإعلامية بين الطرفين فإن الطرف الإيراني متمسك بالنصوص القانونية لتلك الاتفاقية، التي يحتمي بها باعتباره اتفاقاً أممياً وليس أمريكياً بحتاً، وهو مطمئن لها ولا يأبه بالتهديد الأمريكي «والذي وصفه أحد قادتها بأنه استفزاز لا قيمة له»!

وقد حبك ذلك الاتفاق بطريقة يستحيل معها تراجع أي طرف عن نصوصه، وما زال الجانب الإيراني متكئاً باريحية على من تبقى من المتنفذين من أعضاء الحزب الجمهوري، وتأثير اللوبي الايراني على صناع القرار!!

وما كان يصرح به الرئيس ترامب عند جولاته الانتخابية بإعادة النظر في الاتفاق النووي والعمل على إلغائه لم يكن سوى زوبعة في فنجان. إذن ومن الناحية الفعلية فإن المدخل الوحيد المتبقي للإدارة الأمريكية إن كانت صادقة النوايا في تحجيم إيران وردعها هو فتح ملفها الإرهابي، وإدانتها بالتوسع والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية، وانتشار جنرالاتها وميليشياتها وجرائمها التي لا تعد ولا تحصى في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وانتشار خلاياها الإجرامية المرتبطة بها فكراً وتوجيهاً وتسليحاً وفي أكثر من دولة خليجية، وهذا ما نوه اليه اكثر من متحدث من الادارة الأمريكية الجديدة متوعدين إياها بوضع العديد من كياناتها وتشكيلاتها تحت طائلة العقوبات وربما الأيام القليلة المقبلة ستشهد المزيد من التصعيد.

إن الوضع والمناخ الدولي بات اليوم مناسباً جداً لأن تتحرك الحكومات العربية والخليجية على وجه الخصوص تزامناً مع التصعيد الأمريكي باتباع خطوات قوية لتركيع هذا الثور الإيراني الهائج المنفلت من «زريبته» تتمثل في الآتي:

أولاً: تطويق النظام الإيراني وتحجيمه وإدانته وتغريمه بالتحرك سريعاً بجمع وتقديم الملفات التي تدين إرهابه وانتهاكه لحقوق الإنسان داخل وخارج إيران والذهاب بها إلى محكمة العدل الدولية.

ثانياً: التحرك بوضع حشوده وميليشياته المنتشرة خارج حدوده على لائحة الإرهاب والقضاء على أذنابه وخلاياه في الداخل والمحتمية والمتخفية تحت عناوين مختلفة.

ثالثاً: تضييق الخناق على نظام «الولي الفقيه» بمقاطعته اقتصادياً وعزله دبلوماسياً، وقبل ذلك نخره من داخله وبنفس أسلوب الذي مارسه ضدنا، فلا اقل من دعم حركات التحرر الثورية في «عربستان» القابعة تحت جبروته.

رابعا: اعادة النظر في التعامل الايجابي باحتواء ودعم ورعاية الاصوات والتجمعات الوطنية العربية المناوئة له، والتي أبعدت باتفاق أمريكي إيراني عن مواطنها لتكون بديلاً لعملائها وأذنابها بعد إزاحتهم من العراق وسوريا واليمن.

فلا تضيعوا الفرصة بالإجهاز على ذلك الثور بغرز الرماح في ظهره فربما قد لا تتكرر!!