هذه الجملة رددها مراراً صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله على مسامعنا في مجلسه العامر، والقصد كان لتبيان عملية التعلم التي ترسخت في البحرين منذ عقود، وكان منبعها تلك المجالس الوطنية التي تجمع أهل البحرين المخلصين، وتدور بينهم النقاشات الجادة المعنية بالوطن وشجونه وهمومه.

أبلغ مثال على هذه المجالس هو مجلس سموه، لكن على نفس الشاكلة، وبفضل الانفتاح الكبير الذي جاء به مشروع جلالة الملك حمد حفظه الله، زادت مساحة الحريات، وبات الجميع يتحدث بأريحية وحرية بلا قيود.

اليوم تنتشر في البحرين مجالس عدة، في كل محافظة هناك عشرات المجالس، بعضها ينشط في رمضان، وقليل منه له ديمومته وبرامجه الأسبوعية التي تحتضن كثيراً من الناس وتفتح المجال لنقاشاتهم وإثراءاتهم.

شخصياً حضرت مجالس عديدة، فيها من الأشخاص المميزين كثير، وفيها من النقاشات الطيبة ما يجعلك تستوعب بأن الوعي المجتمعي بدأ يزيد ويتشكل في هذه المجالس، رغم أن بعضها يوجه للنخب، ولا يتحمل استيعابه لفئات وشرائح عديدة بالأخص فئة الشباب التي تحتاج اليوم لأن تنخرط في هذا السجال الفكري الطيب، طالما أن هدفه الوطن.

من بين المجالس الوطنية المميزة التي كان لي شرف زيارتها والمشاركة كمتحدث في ندواتها، مجلس «الدوي»، أحد أعرق مجالس مدينة المحرق الشماء.

كانت المناسبة معنية بذكرى «ميثاق العمل الوطني»، والخطوات الشجاعة التي قام بها جلالة الملك حفظه الله، وكيف تكون عملية ترجمة مبادئ الميثاق في حياتنا، وكيف نعمل بموجبها لبناء هذا الوطن وجعل ممارسة الإصلاح والتصحيح والنقد البناء أموراً أساسية في حياتنا.

تشرفت بأن يسبقني في الحديث في الندوة التي عقدت هناك قبل يومين، زميلي وأخي الكبير الأستاذ الوطني القدير سعيد الحمد، والذي صال وجال نابشاً ذكريات المحرق العريقة، ونضالات أهلها الكرام، وكيف كانت الحركات النهضوية الشعبية تمضي في نسق وطني وتلاحم مع قيادتها ضد المستعمر، وكيف للأسف انحرف التوجه في السنوات الأخيرة لتكون عرضة للنهب وتسليم زمام أمرها لتيارات متطرفة ولائية لها ارتباطاتها الصريحة بأعداء للبحرين تتقدمهم إيران.

كان هناك أيضاً تواجد لنساء تميزن بتفوقهن وإبداعهن في مجالاتن، كالدكتورة الإعلامية الزميلة لولوة بودلامة، والمحامية الناجحة سهام صليبيخ، كل تحدث في محوره، وتطرقت شخصياً لمحور المشاركة الشعبية، وكيف كانت الفكرة والأهداف التي بنى عليها جلالة الملك مشروعه الإصلاحي والتطويري، ودورنا كمواطنين تجاه بلدنا وتعزيز مكتسباته، ومحاربتنا للأخطاء والمساهمة في الإصلاح والبناء.

أعجبني في مجلس «الدوي» اهتمام صاحبه الرجل الوطني المعروف بإخلاصه، الأستاذ إبراهيم الدوي، الذي يعرفه أهل البحرين، بالأخص الرياضيين منهم بردائه الأسود كأحد أبرز «حكام» كرة القدم الذين أنجبتهم البحرين، والذي زادت شهرته شهرة بكونه الحكم البحريني الوحيد الذي منح أسطورة كرة القدم البرازيلية «بيليه» إنذاراً أصفر حينما جاء فريق سانتوس البرازيلي ليلعب في البحرين قبل عقود.

الجميل في هذا المجلس كوكبة رجالاته، أهل المحرق بالأخص، ومن يأتيهم زائراً راغباً في الاستفادة والمشاركة من كافة مناطق البحرين، ومن أصحاب مجالس وطنية أخرى تميزت بنشاطها في الفترة الأخيرة مثل اللاعب الوحداوي القدير والفنان المبدع حالياً الكابتن جمعة هلال. هذه الكوكبة من الرجال تجعل المتحدث أمامها يجتهد ويحرص على أن يقدم الجديد والمفيد، إذ صعب جداً أن تورد أي قول أو معلومة على رواد مجلس الدوي دون أن يناقشوك فيها أو يخالفوك الرأي أو يستوضحوا أكثر.

إلى جانب الرجال الكرام الذين زاد احترامهم احتراماً لدينا، هناك عناصر نسائية بارزة حاضرة، تمتلك حساً وطنياً ورؤية للأحداث والمتغيرات، ومداخلات تجعلك تفخر بأن نساء البحرين فيهن نماذج بهذا الوعي.

هذه المجالس الرائعة بروادها ونقاشاتها هي «المدارس الوطنية» الحقيقية، هي المنابع التي تجمع الناس وتجدد روح الانتماء لهذه الأرض والولاء للقيادة والالتفاف حول مشروع قائد كحمد بن عيسى، نحتفي به، ونحتفل بذكرى انطلاق مشروعه الجريء يوم غد.

شكراً لمجلس «الدوي» على حسن الاستضافة، ولرواده على رقيهم وسمو أخلاقهم، بكم يفخر الوطن، وبكم ومعكم بقية مجالسنا الوطنية المخلصة، يزداد وعي المواطن البحريني الغيور.