مواطن معروف باعتداله وحبه للجميع هاتفني قبل أيام، اختصر المكالمة في جمل قليلة بصوت شابه الحزن وهو يحاول أن يعبر عن الحال التي صرنا فيها. قال لابد أن يوظف الجميع ما لديهم من قدرات وخبرات وتجارب في إيجاد مخرج من المشكلة التي صارت تؤرق الجميع وتنذر بانسياق هذا الوطن نحو المجهول. المواطن عبر عن ألمه الشديد من كل هذا الذي يحدث ويودي بأبرياء وبشباب تم التغرير بهم فاعتقدوا أنهم يستطيعون أن يغيروا الكون. في تلك المكالمة قال إنه مهما طالت المشكلة وتعقدت فلابد من أن يأتي اليوم الذي فيه تحل ولكننا لا نريده مشابها لليوم الذي تبين فيه للخميني أن استمرار الحرب العراقية الإيرانية سيودي بمليون آخر من مواطني العراق وإيران وسيزيد البلدين دمارا فأعلن أنه يقبل بوقف الحرب ووصف ذلك بأنه يشبه تجرع السم.

السم الذي رضي الخميني بتجرعه متأخراً علينا أن نتجرعه اليوم، حيث استمرار هكذا حال من شأنه أن يزيد من أعداد المتضررين وأعداد من سيفقدون حياتهم من أجل لا شيء، فنحن في خاتمة المطاف ليس لنا إلا بعضنا البعض. هكذا قال ذلك المواطن، وهكذا عبر عما يعتوره من ألم وما صار يسيطر عليه من قلق على مستقبل هذا الوطن الذي ظل مستوعبا الجميع ولابد أن يظل كذلك.

ما قاله ذلك المواطن الممتلئ ألماً ووطنية هو ما يقوله الكثيرون اليوم في نفوسهم ويتمنون أن تأتي اللحظة التي ينتهي فيها كل هذا الذي يحدث ولا يحقق أي مكاسب للوطن ولا إلى أي طرف من الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة، فالجميع يريد أن يرى نهاية لهذه المشكلة التي لا تليق بهذا الوطن ولا بهذا الشعب الذي تأسس على السلم وظل يحصل على كل ما يريد عبر الأدوات المتاحة والتي لا تتسبب في جرح الوطن.

استمرار المشكلة يعني استمرار تضرر الجميع وزيادة أعداد الضحايا وازدياد القلق والخوف على مستقبل هذا الوطن ومستقبل أبنائه، والأكيد – كما قال ذلك المواطن ويقول كثيرون غيره – هو أن ما خرج ذلك البعض من أجله لا يمكن أن يحصل عليه مهما حصل ومهما كان حجم التدخلات والتهديدات التي يمكن أن تصدر من جهات خارجية يبدو أنه لا يزال يعقد عليها آمالاً، فكل المعطيات تقود إلى القول بأن أمراً كهذا لا يمكن أن يحدث وأن هدفاً كهذا لا يمكن أن يتحقق. لا بالقدرات البسيطة التي يمتلكها ذلك البعض ولا بما يؤمل أن يحصل عليه من دعم من تلك الجهات يمكن أن يتحقق شيء من الشعارات التي تم رفعها. لو كان ممكناً لحصل في السنوات الست الماضيات. ما سيحصل هو تعقد المشكلة وحصول المزيد من الأضرار والخسائر، وفي النهاية سنصل إلى اللحظة التي سيقول فيها ذلك البعض مثل ما قال الخميني في ذلك اليوم وأدى إلى انتهاء حرب السنوات الثمانية التي أكلت أخضر ويابس العراق وإيران، وكثيراً من أخضر المنطقة ويابسها، ومستقبلها.

النهاية بالنسبة للكثيرين تبدو واضحة، ولأنها كذلك فإن على كل من يستطيع أن يسهم في الوصول إلى حل للمشكلة ألا يتأخر عن القيام بهذا الدور وألا ينتظر من الآخرين أن يقوموا به بدلاً عنه، فهذه مسؤولية الجميع، وليس من العدل ولا الإنصاف أن يبقى الوضع على ما هو عليه.

ربما كان مناسباً التأكيد على أن تحدي الدولة التي تمتلك كل القدرات التي تعينها على إفشال كل محاولة للإساءة إليها يشبه مقاومة المخرز بالعين، فمثل هذا الوضع وهذه الظروف لا توصل إلى لحظة الانتصار المرجوة إلا في الأفلام الخيالية.