منزل مهجور خالٍ من الروح، منزل موحشٍ وبيوت العنكبوت من دون دعوة مسبقة تغزوه، منزل يعاني من تصدع في الأعمدة وشقوق في الجدران، أي بالمختصر المفيد المكان آيل للسقوط من دون أدنى شكوك. ومع كل هذا لا يمكن أن ننكر أنه المنزل الذي شهد أهم مرحلة انتقالية سياسية شهدتها أم الدول العربية «مصر». إنه منزل جد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حسين، الذي يقع في قرية بني مر بمحافظة أسيوط في صعيد مصر في الجنوب، ذلك المنزل الذي يشهد على أسرار وحكايات لا تخطر على البال، ولكن عندما تُسرد من أهلها مباشرة وعلى الهواء بعفوية ليس لها مثيل وبجمل بسيطة، فيصبح بلا شك لهذه الخبريات شأنٌ ومكان وتبقى عالقة في الذهن والبال.

وبالرغم من ولادة وتربية الزعيم الراحل في محافظة الإسكندرية، فإنه واظب على زيارة مسقط رأس والده وأعمامه وجده في قرية بني مر، والسبب يعود إلى أنه بعدما تخرج من الكلية الحربية مع الضباط الأحرار كانت أول خدمتهم في القوات المسلحة في المنطقة العسكرية بأسيوط. فالزعيم جمال هو أول أحفاد الجد حسين، وكانت له محبة عامرة بقلبه خاصة أن جمال عبدالناصر تربى يتيم الأم. فكان جده يزوره في المعسكر ليطمئن عليه وكان يكرر عليه طلبه بدعوته إلى الغداء ومعه أصحابه من الضباط، فقام الزعيم ولبّى الدعوة. وكان للجد جار من الباشاوات ولديه طباخاً ماهراً ومتميزاً. ويوم الجمعة قام الزعيم برفقة أصحابه من الضباط الأحرار أمثال عبد الحكيم عامر، وحسين الشافعي وأنور السادات وغيرهم بزيارة لبيت جده وطبعاً هذا كان قبل ثورة عام 1952. وشاء القدر أن يكون هذا الطباخ في إجازة، فطلب الجد منه أن يُعدّ له وليمة كي يفرح بها حفيده الغالي على قلبه وأن يتباهى بها أمام أصحابه. وبالفعل قام الطباخ بالواجب وبُهر جميع الحاضرين في ذلك اليوم. المفيد في الموضوع أنه بعد انتهاء كل هذه الأمور أراد جمال عبدالناصر أن يردّ قليلا من الجميل لجده حسين ويقدم له مبلغاً متواضعاً من باب الشكر. فرفض الجد والذي تحسس من موقف حفيده جمال وقال له: «فداك الساعة التي استقبل بها حفيدي وأصحابه»، ولم يكتف بهذا القدر بل دعا له «إن شاء الله أشوفك محبوب الشعب وأشوفك الريس الأول على مصر». فهل يا ترى كانت ساعة استجابة وأريد بها تغييراً لمعالم التاريخ!!

فرؤية منزل طاف عليه ما يقارب 200 عام أن يكون بهذا الشكل المخزي، لا شك في أنه فيه الكثير من الإساءة لرجل قلب معايير البوصلة السياسية والفكرية لما فيه خير وعبرة للجميع.