يقول الحق تعالى «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» صدق الله العظيم

سورة الرعد

يقال أجفات القدر أي ارتفع الماء المغلي فيها فظهر الزبد وفاض من القدر وسقط على الجانبين، وهذا هو معنى «جفاء» وهو ما يماثل «الباطل» في الإعجاز القرآني، الذي شبه علوه السريع كالزبد الذي يعلو لزمن بسيط أي زمن الفورة المائية التي لا يزيد قدرها وعلوها عن علو جوانب القدر، ومن بعد علوه يتساقط على جانبي القدر ويختفي، فلا يغرننا إذاً ارتفاع علو الباطل إلى حين، فليس سوى زبد فورته قصيرة وارتفاعه محدود وسرعان ما يتساقط نتيجة جفاء القدر. تتتالى التسريبات حول التحركات الإيرانية للتوسط لها للحد من التشدد الأمريكي حيالها، فسليماني في موسكو وروحاني في الخليج، كما تتتالى التسريبات التي تلمح بالأوراق التي ستطرحها إيران «للبيع» لتفاوض على سلامة النظام، كورقة الميليشيات اليمنية «الحوثية» وورقة الميليشيات البحرينية، مقابل إبقاء أوراق أخرى تريد أن تحتفظ بها إلى حين حفاظاً على ذراعها الخارجي، كحزب الله وعدم خروجه من سوريا والحشد الشعبي وبقائه ضمن المؤسسة العسكرية العراقية من جهة أخرى، ومن أجل سلامة النظام محلياً ستتخلى عن بعض الأجنحة الإرهابية التي تدعمها مقابل عدم وضع المزيد من العقوبات على الاقتصاد الإيراني الذي يكافح من أجل البقاء، ومقابل استمرار العمل بالاتفاق النووي، كما أكد على ذلك جواد ظريف أمس في ميونخ حين قال إن هناك «حواراً صادقاً» ستطرحه إيران -هذه المرة- مع دول الخليج، واللبيب بالإشارة يفهم!! حقيقة لا تهمنا عروض إيران كثيراً، فذلك نظام لا عهد له، ما يهمنا هو أن تصل الرسالة «لخدم إيران» من حملة الجنسية البحرينية أو السعودية أو الكويتية، الذين باعوا أوطانهم من أجل وهم «الدولة الدينية» تحت راية المرشد الأعلى الذي رفع شعارها، الرسالة التي نريد أن يفهمها خدمها مفادها أن من «اشتراهم» بوهم هذا الشعار، عرف أنهم سلعة قابلة للبيع في أي لحظة، وقد حان موعد بيعهم والتخلي عنهم! وما فورتهم إلا كفورة الماء في القدر وما زوالهم إلا كزوال الزبد حين تجفأ القدر.

فلا يخدعنهم الخطاب التصعيدي والثوري والناري الذي سيسمعونه في خطبة الجمعة هذا الأسبوع، فذلك خطاب موجه للخراف المعروضة للبيع، فلا يخدعهم أن إيران ستبقي على حلفائها وأن إيران لن تتخلى عنهم وووو فذلك ليس إلا المخدر الذي ستبقيه إيران ممتداً عبر الخطاب فحسب، أما الواقع فإن بقاء النظام الإيراني كان ومازال هو المصلحة الوحيدة التي لها اعتبار، وعليه فيؤسفنا القول لهم إنه مات من مات وسجن من سجن وتشرد من تشرد ونفي من نفي بلا فائدة، وإنهم جروا معهم طائفة برمتها أجبرت على دفع الثمن اليوم وستدفعه أجيالهم القادمة بعد أن بنوا بينهم وبين أوطانهم الحواجز والقلاع والخنادق وعزلوها.

لا تهمنا عروض إيران بل يهمنا أن يعلم من أسند ظهره للتحالف الأمريكي الإيراني من الناشطين السياسيين الذين ظنوا أن الإصلاح ممكن أن يأتي على ظهر السفارة، أنهم قد أسند ظهرهم على حائط من الفلين هش طارئ على الواقع وها هو الحائط يتلاشى ويسقط، ويجري الآن بيع «خدم هيلاري كلينتون» بالمزاد من أجل إعادة العلاقات الاستراتيجية الخليجية الأمريكية إلى سابق عهدها.

ما يهمنا أن يعلم التيار الديمقراطي مدى غبائه وسذاجته حين باع قيمه ومبادئه وجرى خلف «المقاعد الشعبية» معتقداً أن الموجة موجة التيار الديني فركبها وسار خلف العمائم متسولاً شعبية انحسرت عنه، فلم يعد أحد يعرف من تمثل قيادات ذلك التيار وماذا يمثلون؟

والآن بعد أن باعت إيران وباعت الولايات المتحدة الأمريكية التنظيمات الدينية بيع الغواني في سوق النخاسة، وأجفأت القدر وجدت قيادات هذا التيار نفسها كالزبد الذي تساقط من الجدر، فلا هي بالمقبولة كقيادات لدى ذلك التيار حين يجد الجد، ولا هي احتفظت بشارعها الأصلي، ولا الأمريكان يحسبونهم رقماً، فأصبحت تلك القيادات كالغراب يتقافز هنا وهناك مخاطباً ذاته مرة ومتوسلاً العودة للساحة مرات بمحاولات فاشلة للمناكفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فلا تجد صدى، دون أن تعرف تلك القيادات المسكينة إلى أي اتجاه تسير، ضاعت وضيعت معها جهود عقود نضالية لقيادات رحلت بعد أن أفنت عمرها وكافحت من أجل التنوير والتقدم والتنمية والتطور، فأتى صف لم يعرف كيف يحافظ على إرث ناله دون جهد!

فورة كانت تمدد تلك الجماعات ووصولها لسدة الحكم أو دونها منه، سريعة العلو خفيفة في ثقلها التاريخي، ثقيلة في ما خلفته من آثار لدمار على نفسها وعلى من صدقها وعلى من جرى خلفها.

عسى تعلمتم؟!!