«ليست مملكة البحرين الدولة الوحيدة التي تعرضت لتجمعات مأساوية من مياه الأمطار في شوارعها ومناطقها بل حتى في الدول المجاورة، طالعوا من حولكم لتفهموا أننا مثل غيرنا!».

هذه خلاصة ردود البعض ومنهم من يحسب على جهات حكومية بالدولة حول مسألة الشكاوى المتكررة والتذمر على تجمعات مياه الأمطار كل سنة وتسببها بضرر وتلفيات للمواطنين ومنازلهم، هذا الكلام جميل وسليم وممتاز بل فوق الممتاز، لو كان يمر دون أخبار وتصريحات تتسبب بحساسية أمام مسلسل التقشف العام الذي يطال المواطن ويلامس جيبه بشكل مباشر في حين تقع عيناه على مبالغ فلكية لمشاريع الصرف الصحي لمملكة البحرين، تستنزف من الميزانية العامة للدولة سنوياً، في حين تحمل لنا شوارعنا ومناطقنا رسالة أخرى من تحت تجمعات مياه الأمطار و«النقع»، تجعلك تتذكر كلمات قصيدة نزار قباني «رسالة من تحت الماء»، إني أغرق.. أغرق!».

فحسب تصريح لوزير الأشغال في 13 مايو 2016 أنه تم تخصيص 327 مليوناً و878 ألف دينار كميزانية لمشاريع الطرق والصرف الصحي منذ عام 2014 حتى عام 2016، وأن هناك 42 مشروعاً للصرف الصحي و60 مشروعاً لمشاريع الطرق في البحرين!

وفي تصريح آخر، تحدث عن انخفاض مشاريع الطرق والصرف الصحي من 126.5 مليون دينار في عام 2014، إلى 92.3 مليون دينار في 2016، وأن ميزانية الصرف الصحي قد زادت عن عام 2014 إلى نحو 39.3 مليون دينار في 2015، وانخفضت في 2016 إلى 26 مليون دينار.

«126.5 مليون دينار عام 2014»، رغم أنه في عامي 2014 و2015 قد غرقت المدارس والمباني لدرجة أنه قد أخذ كل مسؤول وقتها يتقاذف مسؤوليات ما حصل إلى المسؤول الآخر أمام تعطل المدارس والموظفين عن الاتجاه لأعمالهم وارتباك يوم الدوام وقتها!!

هذه الأرقام الفلكية والتصريحات مقابل ما نشاهده على أرض الواقع تطرح علامة استفهام نترك إجاباتها للمسؤولين أصحاب العلاقة، فالمواطن الذي في كل سنة يمني نفسه أن يفرح بالأمطار والتي هي نعمة من رب العالمين له ورحمة، كما يفرح بها أهالي الدول الفقيرة التي تهطل عليها الأمطار طيلة السنة، ومع ذلك لا يعانون من المشاكل التي نعانيها نحن في بلد طبيعته المناخية صحراوية وثلاثة أرباع مناخه حار، ورغم أن سقوط الأمطار علينا يكون لمدة يومين «بالكثير»، إلا أننا نعاني الويلات والكوارث!

أما الغريب أنه بعد سقوط الأمطار يتغير الكلام فنرى التصريحات تتجه نحو أن خطة الطوارئ للأمطار ليست في مشاريع الصرف الصحي التي ملؤوا الجرائد بإعلانات إنشائها في تصريحات سابقة والتي «شفطت ما شفطته من الميزانية العامة للدولة في مبالغ فلكية كما ذكرنا»، إنما في تخصيص صهاريج لشفط تجمعات مياه الأمطار، «أسئلتنا للعلم بريئة وما لها أهداف غير محاولة الفهم والحصول على إجابة مقنعة وتوضيح!»، وإن كان الأمر كذلك لماذا لا تخصص الموازنات لصهاريج الشفط ويزداد عددها بحيث تكون في كل منطقة «وفريج» و«خلصنا»؟! بدل التبرير السنوي لأسباب عمليات الشفط الفلكية من ميزانية الدولة لمشاريع لا يلامس المواطن جدواها وفاعليتها الحقيقية؟

هناك مواطنة قامت بتصوير الشوارع في إحدى المناطق الراقية الحديثة في البحرين والتي لم تكن فيها نقطة واحدة من مياه الأمطار وقد قالت «لماذا لم تلجأ الجهات الحكومية المسؤولة لنفس هذا المقاول الشاطر؟».

خلال الأيام الماطرة السابقة قدم لنا الآسيوي «سراج» البائع في إحدى المحلات تحليلاً نعتقد أنه من المهم أن يطلع عليه المسؤولون عن مشاريع الصرف الصحي، حينما سألنا «كيف حالكم مع المطر؟ هل تسبب بأضرار في مناطقكم» فلما أخبرناه ساخرين «ألا تذكرك المناظر الحاصلة اليوم في البحرين بفيضانات الهند» ضحك وقال لنا «أعتقد أن الأرض في البحرين ليست مثل الهند وتايلند، هناك الأرض سريعة الامتصاص لمياه الأمطار فيما هنا أنتم في جزيرة صحراوية لذا الأرض لا تستطيع امتصاص مياه الأمطار!»، «والله أحسسنا أن «سراج» طلع خبير في علوم البيئة وطبقات الأرض».. الرجل واضح أنه «اختصر المسألة علينا اللي لنا سنين نفكر في حلها!».

إحساس عابر:

* المواطن البحريني مبدع في تحويل المحنة إلى منحة، واستغلال ما يراه أمامه في الترفيه، فالكل رأى كيف قام صاحب «الجتسكي» وبعض المواطنين الذين خرجوا في قوارب للتجديف واستغلال برك المياه بإسعاد أنفسهم وعوائلهم أمام مسلسل الدفان والحرمان من البحور، تصرفاتهم رسالة تعكس مواقف الحرمان التي يعانونها من الاستمتاع بالأنشطة البحرية!

* الأيام التي سقطت فيها الأمطار، انتعش فيها جميع المواطنين بالذات أهالي القرى الذين يعانون الويلات من عصابات الإرهاب وسد الشوارع بالإطارات الحارقة ورمي المولوتوف خاصة خلال الأسبوع الذي صادف 14 فبراير، لقد عوضتهم الأمطار عن مناظر شبعوا من رؤيتها خلال هذه الفترة وكأنها «مكرمة ربانية».

* في وقت التزم فيه الناس بعدم الخروج للشوارع الغارقة بمياه الأمطار، كثفوا من تواجدهم وضاعفوا من جهودهم في نجدة أصحاب السيارات والمنازل الغارقة، شكراً للدفاع المدني ولكل الأشخاص المتطوعين.