الحوار الذي تسعى إليه إيران من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها مع دول الخليج العربي بعد الزيارة التي قام بها رئيس إيران حسن روحاني نهاية الأسبوع الماضي لسلطنة عمان ودولة الكويت، لا أظنه يتحقق في الوقت الراهن طالما إيران مستمرة في نصب عدائها السياسي والإعلامي ضد دول الخليج العربي وتحديداً للبحرين والسعودية.

وربما روحاني زار عمان والكويت من باب «رد الزيارة» عطفاً على زيارة وزير الخارجية الكويتي لإيران الشهر الماضي وحمله رسالة دول المنطقة للحوار مع إيران، لعلها ترجع إلى صوابها وتكف شرها عن التدخلات والتحريض ضد دول الخليج العربي، هذا إن دل على شيء فيدل على رغبة دول مجلس التعاون في إحلال السلام وتغليب لغة العقل والمنطق، وتقديم «حسن النوايا والظن» في إيران الجارة لنا.

ولكن ما حصل بعد تلك الرسالة أن إيران استمرت في التحريض والفبركة والكذب والتدليس والتدخل في شؤون الخليج العربي، وأتذكر أنني وصفت في مقال سابق الحوار مع إيران بأنه «مضيعة للوقت» لأن إيران ليست ذات نظام حكم متطور يتميز بالديمقراطية وقبول الرأي والرأي الآخر، بل على العكس تماماً، كما أنه نظام يتدخل في شؤون غيره ويسعى للتوسع والتمدد والسيطرة على منطقتنا العربية، ولنا في العراق ولبنان وسوريا خير شاهد.

لذلك أعتقد جازماً أن الحوار مع إيران في ظل نظامها الحالي لن يتحقق، أو لنكن متفائلين أكثر ونقول إنه صعب تحقيقه، بسبب عقلية النظام الإيراني، والتاريخ أثبت أنه لا حوار مضموناً مع إيران، فلا نكرر أخطاء الماضي، حيث تقاربت دول الخليج العربي في بداية التسعينات من القرن الماضي مع إيران بعد تحرير الكويت من نظام صدام حسين، ولكن كانت نتيجة هذا التقارب هي أزمة البحرين وتفجيرات الخبر في منتصف التسعينات، والتي كان وراءها إيران وتلك العقول الخربة التي تواليها من الذين يعيشون بيننا.

من جهة أخرى، أعتقد أن الحوار الذي ترغب به إيران مع دول الخليج العربي -إن كانت صادقة- له أبعاد اقتصادية وسياسية، فالاقتصاد الإيراني على وشك الانهيار، خاصة بعد العقوبات الأمريكية نتيجة تجارب إيران الصاروخية الباليستية مؤخراً التي تعد تجاوزاً للقرار الأممي رقم «2231»، وقد قالت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية المهتمة بشؤون المال والمتخصصة في قضايا الاقتصاد والأعمال «إن الاقتصاد الإيراني يواجه رياحاً معاكسة، وإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذا نجح في إقناع الاتحاد الأوروبي باستئناف الحظر على إيران فإن ذلك سيحرم طهران من ضخ مليون برميل من النفط إلى الأسواق العالمية». انتهى.

فيما قالت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البريطانية للأبحاث والدراسات الاقتصادية، إن «انتعاش الاقتصاد الإيراني أمر ميؤوس منه جداً»، مشيرة إلى أن «العقوبات غير النووية المرتبطة بمسائل الإرهاب ودعم الجماعات المسلحة، والعقوبات المتعلقة بالبنوك قد تزيد من حالة الركود في إيران، من المحتمل أن يتم تأجيل بعض الاستثمارات المخططة في إيران، أو قد تتوقف أبداً».

أما البعد السياسي، فيتمثل في رغبة الرئيس روحاني في ترشيح نفسه لولاية ثانية، ولكن قد يستبعد اختياره شعبياً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الإيرانية، وسياسة إيران الاستكبارية في المنطقة والعالم، والتي أدت إلى عدم التطبيق الكامل للاتفاق النووي مما زاد من السخط الشعبي على روحاني، كما وصفت بذلك وكالة «بلومبيرغ»، وأكد عليه أستاذ القانون الدولي في جامعة العلامة طباطبائي بالعاصمة طهران، «داود هرميداس باوند»، الذي قال إن «عودة المواجهة الأمريكية الإيرانية من جديد تجعل من الصعوبة التصويت لصالح روحاني في انتخابات مايو المقبل، لا يمكن تحديد المستقبل الذي ينتظر روحاني».

لذلك لجأ روحاني إلى دول الخليج العربي لإنقاذ نفسه أولاً ثم اقتصاد بلده ثانياً، فلعله لايزال هناك متسع من الوقت لتدارك ما يمكن تداركه، ولو أنني أعتقد أن «الحل والربط» في إيران ليس بيد روحاني بل بيد علي خامنئي مرشد إيران، فأرجو من الدول الخليجية الحذر من لغة الحوار والسلام الجديدة وغير المعتادة من إيران، فنتائج هذا الحوار والسلام عكسية كما يؤكدها التاريخ.