ترتبط السياسة الخارجية للدولة وبخاصة في حالة الصين بنموذجها التنموي كعامل رئيس في نجاحه ولهذا دارت السياسة الخارجية حول ثلاثة توجهات رئيسة هي:

الأول: جعل الأولوية للاقتصاد التنموي واضطلاع السياسة الخارجية بخدمة التنمية في مناخ من السلام بعيداً عن الصراع أو الحروب أو النزاعات الإقليمية أو الدولية.

الثاني: بناء علاقات اقتصادية مع مختلف الدول، بغض النظر عن نظمها الاقتصادية أو السياسية، على أساس تحقيق المنفعة المتبادلة، وكذلك إقامة مشروعات التعاون مع الدول النامية.

الثالث: تطوير العلاقات السياسية مع الدول الأخرى لتحقيق هدف البحث عن المواد الأولية اللازمة للصناعة، وعن مصادر الطاقة، وأخيراً البحث عن الأسواق.

لقد تبلور النموذج التنموي بتأثير ثلاثة عوامل، الأول، الفلسفة الصينية التقليدية ذات الطابع التوافقي. والثاني، التغيرات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في العالم. والثالث، مصلحة الشعب كما يعبر عنها الحزب الشيوعي في إطار عقد اجتماعي افتراضي مع الإصلاح والانفتاح «تحقيق تقدم اقتصادي ورفع مستوى المعيشة مقابل تأجيل الإصلاح السياسي واحتكار الحزب للسلطة».

لتحقيق النموذج التنموي الخاص بها، وضعت الصين ما أسمته «استراتيجية الخطوات الثلاث للتنمية»، وذلك منذ عام 1978 وتبلورت بصورة أكثر وضوحاً في عام 1987، وهذه الخطوات هي بمثابة أهداف مرحلية في إطار جدول زمني عام ومرن كالآتي:

الأولى: مضاعفة الناتج الوطني GNP وتوفير الغذاء والكساء للجميع بنهاية عقد الثمانينات.

الثانية: مضاعفة رباعية للناتج القومي الإجمالي GNP بنهاية القرن العشرين.

الثالثة: زيادة الدخل الفردي ليصل لمستوى الدول المتقدمة متوسطة الدخل بحلول عام 2050.

وأحدث النموذج التنموي الصيني في المجتمع نتائج بالغة الأهمية والخطورة في الوقت نفسه، وهذه النتائج منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، وتتمثل أهم النتائج الإيجابية في:

1 - ظهور ما أطلق عليه «الصعود السلمي الصيني» Peaceful Rise of China حيث تحولت الصين إلى القوة الثانية في الاقتصاد العالمي، وتملك ثاني أكبر احتياطي من النقد الأجنبي، يبحث عن الاستثمار في الخارج، وهي ثاني دولة تستثمر في الولايات المتحدة.

2 - تحولت الصين لمصنع العالم الساعي للحصول على الموارد الطبيعية من المعادن والطاقة.

3 - تحولت الصين إلى الدولة الثالثة في السياحة على المستوى العالمي.

4 - أصبحت الصين قوة جاذبة للاستثمار الأجنبي وقوة باحثة عن الموارد الأولية والأسواق.

5 - ارتفاع مستوى المواطن الصيني وزيادة مستوى الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

6 - ابتكار آليات جديدة في التعامل مع الدول النامية مثل منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ومنتدى التعاون الصيني العربي، وحوارات استراتيجية وشراكات استراتيجية مع العديد من دول العالم.

وبالنسبة للسلبيات فيمكن الإشارة إلى بعضها مثل:

1 - عودة الفوارق في دخول الأفراد وبين الحضر والريف، وبين الأقاليم.

2 - عودة بعض الرذائل الاجتماعية.

3 - زيادة نسبة التلوث ما يؤثر على مستقبل الأجيال.

4 - تداعيات سياسة الطفل الواحد، ما أثر في السلوك الاجتماعي والتركيبة الديموغرافية والجندرية ودفع الحزب لتغييرها.

وقد حقق النموذج بإيجابياته وسلبياته استمرار سيطرة الحزب الشيوعي على النظم السياسية وعلى القرارات السياسية المهمة وعلى الحياة السياسية بوجه عام. وذلك استناداً إلى ثلاثة عوامل:

الأول، تغير مكانة الدولة فأصبحت الأولى على مستوى العالم بالنسبة للإنتاج المحلي الإجمالي.

الثاني، حرص الصين وقادة الحزب الشيوعي على معالجة السلبيات وبخاصة ظاهرة الفساد المالي والإداري والأخلاقي الذي وقع فيه بعض قيادات حزبية وآخرهم بو شيلاي الذي فصله الحزب.

الثالث، سعي الصين لمواجهة التداعيات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والمالية بإصدار تشريعات وضوابط إدارية وانتهاج سياسة تحفيز الاقتصاد.

إن المؤتمر التاسع عشر للحزب الذي ينعقد في الفترة المقبلة مطالب بوضع خطة استراتيجية للصين تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية في ظل المتغيرات والتحديات الجديدة.