بالرغم من أنني لا أملك ذاكرة فولاذية إلا أن القدر شاء أن تبقى تلك المشاهد التي رأيتها وأنا في السابعة من عمري عالقة في رأسي منذ أن كنت طفلة ليومنا هذا.

مشاهدٌ علمتني معنى الصبر الحقيقي وجعلتني أتقبل أصوات المدافع والقذائف التي كانت تنهمر كالأمطار في محيط بيتنا ومشاهدٌ أخرى كانت مصدراً لإلهامي، مثل الصلابة والحكمة، وكل المواقف والأحداث التي تشاهدها تجدها منسجمة مع موسيقى تصويرية يهتز لها القلب خشوعاً والخاتمة تقول إن الحق لا بد أن ينتصر مهما طال الزمان أو قصر. وأنا على يقين بأنكم مثلي تماماً لايزال مشهد أهل المدينة المنورة وهم يهتفون مع ضرب الدفوف جميعاً «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع»، مشهد يخفق له القلب وتختلج له المشاعر لتنهمر معه الدموع. إنه باختصار فيلم «الرسالة» للمخرج السوري العالمي الذي يعد بصمة لا تعوّض في تاريخ السينما العربية والعالمية «مصطفى العقاد».

السؤال الذي طالما سألته لنفسي، لماذا يتم عرض هذا الفيلم فقط في المناسبات الدينية سواء في ذكرى ولادة النبي عليه الصلاة والسلام، أو الإسراء والمعراج أو يوم عرفة!! هذا الفيلم يجسد رسالة لا تبلى أبداً، الإسلام الذي أعزّ به العرب وكرّم الأمم، وليس الذي يستخدمه الإرهابيون كستار للأعمال الإرهابية والمعاملات الإنسانية والتجارية المشبوهة، والإسلام بريء من ذلك.

فأنا أعلم جيداً أن القراء الأعزاء يتذكرون الآن الأحداث والمواقف، أليس هذا الفيلم الذي سمح لنا أن نتعلق بشهامة وحزم عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه والذي جسد دوره الممثل «عبدالله غيث»، وبه تعرفنا على بلال مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام وللحظة اعتبرنا الممثل نفسه هو بلال من شدة إتقانه للدور، وتسمرنا جميعاً وهتفنا مهللين مكبرين عندما رأينا الإمام علي رضي الله عنه ماكثاً في فراش الرسول عليه الصلاة والسلام يفديه بنفسه، وألم نستشط غضباً بقتل حمزة من سهم وحشي، وبعدها قامت هند بأكل قلبه. وكم منا من قلد صوت أبي جهل وسادة قريش؟!

المقصد من هذا كله، نحن الآن وفي لبّ عصر العولمة المخيف الذي يجتاحنا لماذا لا نستخدم التكنولوجيا برمتها لنشر «ثقافة» تعتبر اللبنة الأساسية لمسيرة الأمم ألا وهي المحبة. الفيلم يجسد معنى واحداً «الحب، التضحية وكلمة حق». وننتج أفلاماً يكون لها الأثر الإيجابي النافذ الذي أحدثه هذا الفيلم ونسمح لأجيال المستقبل من فهم دينهم بالشكل الصحيح.

رسالتي للمتعنتين، أرجوكم كفى ترهيباً، تخويفاً، ترويعاً وتجفيلاً باسم الدين. فنحن نريد أبناءنا أن ينبتوا نباتاً حسناً بعيداً عن التزمت والتعصب والتشدد والانحياز الأعمى. فلا بد أن تسود العلاقات الإنسانية المبنية على المحبة، استيعاب وفهم الطرف الآخر وتقبله، وإعطاء العذر، ونبذ العنصرية والتفاخر الخادع بغض النظر عن دينه، نسبه، عرقه ومذهبه، فلكل من يتاجر باسم الدين للأسف ويجر وراءه العديد من الشباب، كلي أمل أن ينكشف الستار عن الضلال وتنشر الرسالة السماوية وقيمها العالية في كل زمان ومكان من دون انحراف، لأن الرسالة لم تنتهِ بعد..