منذ انطلاق العمليات العسكرية في 17 أكتوبر 2016 لاستعادة محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، من قبضة تنظيم الدولة «داعش»، ولغاية اليوم، كنت أرقب بحذر تداعيات تلك المعركة، وانعكاساتها على الأرض، وآليت عدم الخوض في الحديث عنها لأسباب عدة منها، عدم وضوح الصورة تماماً، وتضارب التصريحات والوعود والتطمينات بين الأطراف المتحالفة، وكذلك تعهدات العبادي -التي لا أثق بها تماماً لكونه أضعف الحلقات في المشهد العراقي- بأن تكون المعركة مهنية وتختلف عن باقي المعارك التي حصلت فيها خروقات وانتهاكات بحق المدنيين، مثلما وقع في تكريت والرمادي والفلوجة!! ومدى مصداقية أمريكا هذه المرة بإصرارها على عدم إشراك ميليشيات «الحشد الشعبي» في سير العمليات، ولولا هذا الإصرار والمراقبة الشديدة لوقعت المجازر المروعة وهم من أسبغ عليها شيئاً من المهنية.

أما اليوم وبعد مضي 130 يوماً على انطلاق تلك المعارك الطاحنة دعوني سادتي أنقل لكم مشاهد ووقائع من الموصل المنكوبة والتي ربما لا تخبركم عنها وسائل الإعلام:

وهنا أوجه كلماتي للمواطن الخليجي والعربي المتعطش لمعرفة ما يجري هنالك، ولا أتوجه للمواطن العراقي الموصلي الكريم الذي يستحق منا الكثير فهو أدرى بحاله وحال مدينته المدمرة تماماً بمسرحية إدخال وإخراج «داعش»، وهو اليوم قد وصل لحالة من الإحباط من بني جلدته، ما يجعله في حالة من اليأس من أن يلتفت لحاله أحد، وجل مبتغاه أن يؤمن قوت عياله ويرقد سويعات من الليل الطويل المرعب هو وأطفاله دون سماع هدير الطيران وأزيز الصواريخ والراجمات والهاونات، والتي لا يعلم متى تنهال عليه من جميع الأطراف وتحيله وأطفاله إلى ركام وجثث متفحمة!!

لقد دخلت جماعة «داعش» سادتي تلك المحافظة منتصف عام 2014، وببضع مئات من مقاتليها وأسقطتها خلال أيام، وانسحب جيش المالكي مذعوراً وسلم المدينة دون قتال، واستمر منذ ذلك الوقت المسلسل التخريبي فعطلت فيها جميع مناحي الحياة وعزلت المدينة عن العالم تماماً.

والسؤال والاستفهام الكبير الذي يشغل بال المراقبين هو:

إذا كان المالكي عجز أو تواطأ وجيشه الطائفي وسلم المدينة بكل مقدراتها إلى بضع مئات من «داعش»، فلماذا أحجم العالم كله وعلى رأسهم أمريكا عن التدخل من فورهم وإخراج ذلك التنظيم والقضاء عليه، بدلاً من تركه ليمتد ويتوسع إلى أن يبسط نفوذه على المحافظة ويخطف ثلاثة ملايين ونيف ويجعلهم تحت سطوته وكان بالإمكان ملاحقة فلوله بأقل التدمير والخسائر؟!

ومما يسجل على تلك المعارك هو:

1- استخدام القوى المفرطة بإسقاط آلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل والصواريخ الموجهة بشكل غبي أو ما يسمى بالعرف العسكري بـ«الأرض المحروقة»، مما أوقع خسائر ضخمة في صفوف المدنيين لم تسجل له إحصاءات بعد!! كذلك تعمد جميع الأطراف بتدمير جميع مرافق الحياة والبنى التحتية التي لا علاقة لها في سير المعارك مثل تدمير الجسور والمستشفيات وجامعة الموصل وحرق مكتبتها الفريدة!!

2- غياب الجهد الهندسي بجميع آلياته وخططه تماماً عدا جهوداً فردية لمتطوعين والذي كان يفترض أن يتواجد في الخطوط الخلفية ومتأهباً لإعادة أبسط الخدمات الأولية من توفير للمياه الصالحة للشرب وإمداد الكهرباء وتأهيل المراكز الصحية وإصلاح الأضرار الناتجة عن العمليات العسكرية.

3- تأخر حسم بل توقف المعركة في الساحل الأيمن لمدة تزيد عن شهر، والتي انطلقت قبل أيام ولأسباب لم يفصح عنها مما أفسح المجال للتنظيم بإحداث خروقات أمنية خطيرة بطائراته المسيرة وقذائف الهاون والانتحاريين والتي أرعبت الناس وأربكت القطعات الأمنية.

4- أحدث كل ذلك واقعاً مريراً تعيشه المدينة والذي أفقد أهلها فرحة انتشالهم من «داعش» حيث إنهم ورثوا مدينة وكأنه قد ضربها زلزال وهي لا تصلح للسكن بتاتاً تنعدم فيها كل الخدمات وعادت إليها من جديد عصابات السلب والنهب والخطف والاغتيالات والاعتقالات العشوائية، وأصابع الاتهام موجهة للميليشيات والعصابات التي دخلت عمداً أو خلسة مع القطعات العسكرية حيث إنها هي المسؤولة عن الملف الأمني، وهذا خطأ قاتل آخر وقعت به قوات التحالف بقيادة واشنطن وحكومة العبادي حيث كان من المفترض ومنذ بدء العمليات العسكرية التشديد على مراقبة الأداء وإعلان حالة الأحكام العرفية وتعيين حاكم عسكري متمرس من ضباط المدينة الحرفيين.. وللحديث بقية.