تتغير معالم الابتكار بسبب التحوُّل الكبير نحو الخدمات والبرمجيات عوضاً عن العروض المُتمحورة حول المنتجات. وبحلول عام 2020، ستكون الشركات قد حوَّلتمعظم ميزانياتها للإنفاق على البحث والتطوير إلى عروض الخدمات والبرمجيات،وفقًالدراسة الابتكار العالمي 1000 لعام 2016، التي أجرتها شركة الاستشارات الإدارية الرائدة ”ستراتيجي&“ التابعة إلى شبكة PwC العالمية. وكانت الحاجة إلى الحفاظ على القدرة التنافسية هي السبب الرئيسي لتغيير تركيز ميزانيات البحث والتطوير بحسب الشركات التي جرى دراستها. وفي الواقع، ووفقًا للدراسة، فإن الشركات التي حققت نموًا أسرع في الإيرادات عن منافسيها قد خصصت نسبة 25 بالمئة أكثر من ميزانية البحث والتطوير الخاصة بها إلى عروض البرمجيات.

الاتجاهات العالمية السائدة في مجال البحث والتطوير



في هذا الصدد، أفاد بير أولا كارلسون، شريك في ستراتيجي&،: ”يشهد الكثير من أبرز المبدعين في العالم عملية تحوُّل مدفوعة بتوقعات العملاء الناشئة والمتغيرة. كما أن عملية التحوُّل مدفوعة بالوتيرة العالية للتقدم الذي تُتيحه البرمجيات، بما يشمل زيادة استخدام البرمجيات المدمجة وأجهزة الاستشعار في المنتجات، والقدرة على الربط بين المنتجات والعملاء والشركات المُصنعة من خلال إنترنت الأشياء بشكل موثوق وغير مُكلِّف، وإمكانية تخزين البيانات بالاعتماد على تقنية الحوسبة السحابية“.

ولمساندة تطوير البرمجيات وعروض الخدمات، سيُركز القليل من الشركات إنفاقها على البحث والتطوير في المجال الكهربائي والميكانيكي. وبحلول عام 2020، سينخفض عدد الشركات التي أعلنت أن مهندسي الكهرباء يُشكِّلون النسبة الأكبر من مهندسيها بنسبة 35%، وستتضاعف نسبة الشركات التي تتوقع أن يُشكِّل مهندسي البيانات القسم الأكبر من مجموع مهندسيها لتصل إلى 16% عوضًا عن 8%.

ويُضيف كارلسون: ”أسهمت الزيادة في البرمجيات والخدمات، حتى في الصناعات التقليدية، في التحوُّل نحو استقطاب الكفاءات التي تمتلك القدرة على تطوير البرمجيات وتوفير منصات لتجميع وتحليل البيانات ذات الصلة بالمنتجات. وقد أسهم هذا التحوُّل فعليًا في تغيير طريقة تعامل كليات إدارة الأعمال مع المُقررات التي تُدرسُّها، وسيكون له آثار عميقة على قطاع التعليم بشكل خاص ومستقبل سوق العمل بشكل عام“.

الاتجاهات السائدة في مجال البحث والتطوير في سوق الرعاية الصحية بدول مجلس التعاون الخليجي

يُسهم التركيز على البرمجيات فيتحقيق تطورات تكنولوجية مهمة في شتى قطاعات الأعمال بما يشمل قطاع الرعاية الصحية. وعلى وجه الخصوص، تُساعد التكنولوجيا الرقمية على التوسع بشكل كبير في مدى وفعالية ما يُسمى التطبيب عن بُعد، والذي يُمكن من خلاله للأخصائيين الصحيين متابعة المرضى وتقديم الخدمات الطبية دون الحاجة إلى زياتهم شخصيًا. كما يُحقق ربط الأجهزة الطبية باستخدام التكنولوجيا الرقمية، بما يُسمى إنترنت الأشياء، تأثيرًا مُتناميًالأنهيسمح بالمتابعة عن بُعد وجمع البيانات بما يُحقق مكاسب الكفاءة وتحسين التشخيص.

وليس بمُستغرب أن تتوقع الدراسة أن يصل حجم الإنفاق على البحث والتطوير في قطاع الرعاية الصحية العالمية إلى 165 مليار دولار بحلول عام 2018، مما يجعله أكبر مجال من مجالات الإنفاق على البحث والتطوير، مُتخطيًابذلك مجالات أخرى مثل الحوسبة والإلكترونيات.

ويتماشى الارتفاع في الإنفاق على البحث والتطوير في قطاع الرعاية الصحية مع نمو هذا القطاع بدول مجلس التعاون الخليجي. فمن المتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية بدول المجلس إلى 69 مليار دولار بحلول عام 2020، حيث تستثمر الحكومات والشركات الخاصة بدول المجلس استثمارات كبيرة في هذا القطاع سعيًا لتحسين مجموعة العروض والخدمات الطبية المُتاحة.

ومع ذلك، يُعد الإنفاق على البحث والتطوير في سوق الرعاية الصحية بدول مجلس التعاون الخليجي دون المستويات الدولية، وذلك يُعزى إلى خمسة أسباب رئيسية: أولاً؛ محدودية مصادر تمويل ومنح البحوث، حيثتُعتبر عدد المقالات المعنية ببحوث الرعاية الصحية بدول المجلس المنشورة في المجلات الدولية المتخصصة، وعدد براءات الاختراع في مجال الرعاية الصحية بدول المجلس، دون المعايير الدولية. وتُظهر مؤشرات المنظمة العالمية للملكية الفكرية أيضًا أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحتلان مراتب متدنية من حيث طلبات براءات الاختراع.ثانيًا؛ عدم كفاية عدد الباحثين في قطاع الرعاية الصحية، والذي يرجع إلى نقص عدد المؤسسات الطبية التعليمية، وبالتالي قلة الباحثين الذين تلقوا تدريب ملائم على أرض الواقع. ثالثًا؛ عدم كفاءة البنية التحتية للأبحاث من حيث مراكز ومختبرات البحوث، فبعض دول المجلس مثل الكويت والبحرين وسلطنة عمان لديها كلية طبية واحدة أو اثنتين على الأكثر. رابعًا؛ انخفاض مستوى التعليم في هذا المجال. خامسًا؛ ندرة التعاون مع الدول الأخرى في مجال البحوث.

ومما يدعو للتفاؤل أننا نشهد تأسيس عدة مؤسسات بحثية للرعاية الصحية بشكل متزايد، مثل مركز أبحاث مؤسسة الجليلة في الإمارات العربية المتحدة، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في المملكة العربية السعودية، ومستشفى سدرة ومركز الأبحاث في قطر. وفي إطار دعم الجهود المبذولة في مجال البحث والتطوير، افتُتح مؤخرًا معهد مصدر وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

وتعليقًا على وضع قطاع الرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي، أفاد نيخيل عدناني، مدير أول في ستراتيجي&،: ”ثمة فرصة سانحة للاستثمار في البحث والتطوير بقطاع الرعاية الصحية بدول المجلس.وفي ظل زيادة الطلب على المستشفيات والعيادات والخدمات الطبية الجديدة، من المتوقع أن ينمو إنفاق واستثمار حكومات دول المجلس في هذا القطاع بشكل كبير بحلول عام 2020. وينبغي أن يقترن هذا الأمر مع قيام الحكومات بتعزيز تمويل البحوث، وتوطيد الروابط بين الجامعات والقطاع الخاص والحكومات.