«إلى قادة دكاكين حقوق الإنسان، وقادة ما يسمى بجمعيات التيار الديمقراطي، الذين يسارعون إلى إصدار بيانات التنديد والاستنكار، أين بياناتكم المنددة باغتيال ابني، وأين أنتم من حقوقه؟ ولماذا لم تكونوا ضمن آلاف المشيعين والمعزين الذين توافدوا علينا أيام العزاء؟ وأين الحيادية والشفافية والإنصاف والمساواة التي تتشدقون بها وتنادون؟ أليس هذا أكبر دليل على كذبكم وانحيازكم وتبعيتكم واصطفافكم الطائفي».

تلك الرسالة موجهة من أسرة بحرينية لها امتداداتها العريضة في جميع مناطق البحرين بأصولها وبنسبها, نتمنى أن تقرأ الرسالة بعناية واهتمام من قبل «ثلة» من الذين يتزعمون «مجموعة» من فلول التيار الديمقراطي العريق في البحرين.

تلك الرسالة المنشورة في جريدة الوطن يوم أمس لها أهمية تلخص بشكل كبير الجرم الذي ارتكبته تلك (القيادات)، لا بحق هذا الرجل المفجوع بابنه فحسب، بل بحق شريحة كبيرة تنتمي للتيار الديمقراطي جردتها تلك القيادات من إنسانيتها، وباعدت بينها وبين «بحرينيتها» كسمة جامعة شاملة نجحت قيادات ذلك التاريخ بصبغها للحراك السياسي الذي خاضت غماره.

بغباء سياسي منقطع النظير ألغت تلك الثلة تاريخاً وإرثاً وطنياً جاهدت بجمعه قيادات ذلك التيار السابقة إلى وقت قريب، حتى في زمن الانقسام أبقت القيادات السابقة على شعرة لمعاوية أمسكت بتلابيبها لحمة وطنية مهددة، فجاءت هذه الثلة وقطعتها إلى غير رجعة وأنهت ما بينها و بين شعب البحرين من علاقة.

ننبه لرسالة الحمادي لا لحرصنا على تلك الثلة ولا تلك المجموعة، بل لحرصنا على لحمة وطنية تعيث فيها تلك الثلة فساداً دون أن ترى أبعد من أنفها في سوء تصرفاتها وسلوكها الاستخفافي بأبسط دواعي الإنسانية، لتتساوى بنزقها مع مجموعة من الإرهابين القتلة وجلهم من شباب غرر بهم، عقليته موعودة بمفاتيح الجنة المربوطة بأرواح رجال الأمن البحريني، كلما أزهقوا روحاً ظنوا أن باباً للجنة فتح لهم، فتأتي ثلة من تيار يحسب أنه تقدمي ديمقراطي يثني على ذلك الفكر العقيم ويعززه بلا مراعاة لعقل أو لمنطق أو حتى مراعاة لذكاء سياسي ينتبذ له مكاناً قصياً ولو بعد حين!

لا اعتراض على الدور الاجتماعي أو القيام بالواجبات الإنسانية، ومواساة الأسر المفجوعة بأبنائها بعد الفقدان، تتساوى في تلك الاستحقاقات جميع الأسر التي فقدت أبناءها في البحرين، فالأب أب مات ابنه في حادث أو مات في مطاردة مع رجال الأمن أو مات قصاصاً أو مات مغدوراً، المواساة واجبه لذوي الفقيد من معارفه ومن أهله ومن أقربائه، إنما المتاجرة بالموتى من أجل مكاسب سياسية فذلك يعد أحقر أنواع الاستغلال والتوظيف الخبيث الخالي من أي حس إنساني.

أما موت الحمادي تحديداً الذي قتل غدراً برصاصة من الخلف، في وقت لم يكن يحمل فيه سلاحاً، فاستلزم موقفاً قاطعاً من جميع القوى السياسية، فما بالك بتيار يحمل إرث «الوطني» مما يستدعي موقفاً لا يغنيه بيان مقتضب يحدد الرفض الجازم والحازم لهذا السلوك الهمجي وهذا التغول في العنف فحسب، بل يلحقه ذكاء سياسي ديمقراطي وإن التحف بسلوك اجتماعي عرفي تقليدي عربي إنساني بسيط يتمثل في تعزية هذا الأب المفجوع، ويبقي على ما ظل من أثر لذلك التيار الوطني في الذاكرة، أثر كون له قاعدة شعبية سنية شيعية جامعة في زمن للطيبين غابر، إلى أن ضيعته هذه الثلة بنزقها واستخفافها، حين بخلت حتى بمساواة القاتل بالمقتول، فلم تبق للوطنية مكاناً أو حتى للديمقراطية موضعاً.